افتتحت مؤسّسة الفكر العربيّ بالشراكة مع الأمانة العامّة لجامعة الدول العربيّة، صباح أمس فعاليات مؤتمرها السنويّ «فكر15» تحت عنوان: «التكامل العربيّ: مجلس التعاون ودولة الإمارات العربيّة المتّحدة»، وذلك لمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين لإنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة، والذكرى الخامسة والأربعين لقيام دولة الإمارات العربيّة المتّحدة. وقد رعى حفل الافتتاح الشيخ حامد بن زايد آل نهيان، رئيس ديوان وليّ عهدِ أبوظبي، وحضره صاحب السموّ الملكي الأمير خالد الفيصل، رئيس مؤسّسة الفكر العربيّ، الأمين العامّ لجامعة الدول العربيّة السيد أحمد أبوالغَيْط، الأمين العامّ لمجلس التعاون لدول الخليج العربيّة الدكتور عبداللّطيف بن راشد الزيّاني، وزير الدولة للشؤون الخارجيّة في دولة الإمارات العربيّة الدكتور أنور قرقاش، رئيس البرلمان العربيّ أحمد الجروان، مستشار صاحب السموّ رئيس الدولة سلطان بن خليفة بن زايد آل نهيان، الرئيس اللبنانيّ الأسبق أمين الجميّل، الأمين العامّ الأسبق لجامعة الدول العربيّة عمرو موسى، صاحب السموّ الملكيّ الأمير سعود بن محمد العبدالله الفيصل، صاحب السموّ الملكيّ الأمير سلطان بن خالد الفيصل، ورئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة، النائب في البرلمان اللبنانيّ السيدة بهيّة الحريري، وأعضاء مجلسَي الأُمناء والإدارة والأعضاء المشاركين في مؤسّسة الفكر العربيّ، ونُخبة من كبار المُفكّرين والمثقّفين والأكاديميّين والدبلوماسيّين وكبار الإعلاميين. استهل حفل الافتتاح المدير العام لمؤسّسة الفكر العربي البروفسور هنري العَويط بكلمة أكّد فيها أهمّية انعقاد «فكر15» على أرضِ دولةِ الإمارات الشقيقة. وأوضح العَويط أنّ مؤسّسة الفكر العربيّ تبنّت بمبادرةٍ من رئيسها صاحبِ السموّ الملكيّ الأمير خالد الفيصل «التكامل» هدفاً للعمل العربيّ المشترَك، وبعد مؤتمرها «فكر13» الذي عقدته منذ عامَين في المملكة المغربيّة بعنوان «التكامل العربيّ: حُلم الوحدة وواقعُ التقسيم»، ثمّ بعد مؤتمرها «فكر14» الذي عقدته العامَ الماضي في القاهرة بعنوان «التكامل العربيّ: التحدّيات والآفاق»، تستكمل مؤسّستنا البحثَ في الموضوعِ نفسه من خلال تسليط الضوء على صيغتين تكامليّتين مميَّزتين، تجسّدهما تجربةُ مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة، وتجربةُ دولةِ الإماراتِ العربيّةِ المتّحدة. إذ لا يقتصر الأمرُ في نظرنا على مجرّد إبرازِ ما تَتّسمُ به هاتان التجربتان من مزايا وما في رصيدهما من إنجازات، ولا إلى استنساخ هذين النموذجين، بل دحضُ المقولة التي تتّهمُ العربَ بأنّهم أمّةٌ عصيّةٌ على التعاون والتعاضد، وإقامةُ الدليل على أنّ التكامل ليس مجرّدَ شعارٍ فحسب، أو حُلُماً مستحيلاً، بل هو واقعٌ متحقّقٌ وملموس. كلمة راعي المؤتمر ألقاها الدكتور أنور قرقاش وقال فيها: يشرفني ونحن نحتفل هذه الأيام بالذكرى الخامسة والأربعين لبناء دولتنا وتأسيس اتّحادنا، أن نفتتح فعاليات مؤتمر مؤسّسة الفكر العربيّ «فكر15». وأكّد أنّ دولة الإمارات تنظر بإيجابيّة عالية إلى هذا المؤتمر الذي تحوّل إلى فعالية ثقافيّة فكريّة عربيّة سنويّة، ومنصّة فريدة لتبادل الأفكار بين نُخبة من صنّاع القرار والمفكّرين والباحثين وممثّلي القطاع الخاصّ والمجتمع الأهلي والمرأة والشباب؛ كما ننظر بتقدير عالٍ جداً للمبادرة التي أطلقها صاحب السموّ الملكيّ الأمير خالد الفيصل، بجعل «التكامل العربيّ» موضوعاً محوريّاً لمؤتمرات المؤسّسة وإصداراتها، وهدفاً استراتيجيّاً للثقافة التي تسعى إلى نشرها وترسيخها. وضمن هذا التوجّه، يأتي مؤتمر «فكر15»، الذي تستضيفه عاصمتنا أبوظبي. وتحدّث قرقاش عن تجربة الاتّحاد، مشيراً إلى أنّ إعلان قيام دولة الإمارات جاء في الثاني من ديسمبر 1971. وقال بأنّ التجربة قدّمت نموذجاً مُلهماً للوطن العربيّ في الوحدة والتنمية. وعلى المستوى العالمي، أشار إلى أنّ إنشاء دولة اتّحاد الإمارات حفظ الأمن والاستقرار، وأنّ دولة الوحدة أثبتت أنّها إضافة مهمّة إلى عوامل الاستقرار والسلام والتعايش، ومع نجاحها التنمويّ أسّست حضوراً اقتصاديّاً مهمّاً. وعرض قرقاش ستّ ملاحظات حول الحدث التاريخيّ لإنشاء دولة الإمارات. وأكّد على أنّ دولة الإمارات ذات البيت المتوحّد، تؤمن، ومن واقع التجربة، أنّ الوحدة خير من الفرقة، وأن ما يتوفّر لنا كعرب من أسباب التعاون والتضامن والتكامل لا يتوافر في عديد من التكتّلات الإقليميّة الأخرى، وتجربة دولة الإمارات دليلٌ حيّ على فرص النجاح متى توفّرت الرؤية الطموحة والقيادة المخلصة والعمل الجادّ. وأشاد الأمين العامّ لمجلس التعاون لدول الخليج العربيّة الدكتور عبداللطيف بن راشد الزيّاني بالقيادة الحكيمة في تنظيم هذا المؤتمر المُهمّ مضموناً وتوقيتاً، وبالجهود المتواصلّة التي تبذلها المؤسّسة لنشر ثقافة التكامل وتعزيزها في الإطار العربيّ. وأشار إلى أنّ المؤتمر يُسلّط الضوء على نموذجين مُشرّفين في مسيرة التكامل العربيّ يتمثّلان في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة ومجلس التعاون لدول الخليج العربيّة. ورأى أنّها خُطوة رائدة وحكيمة تُعبّر عن حرص واهتمام المؤسّسة بمستقبل الأمّة العربيّة وتطلّعات شعوبها للحريّة والكرامة في ظلّ ما يشهده عدد من الدول العربيّة من صراعات وتفكّك وإضعاف لبُنيّة الدولة الوطنيّة فيها. واعتبر الزيّاني أن أحد أهمّ أسباب التكامل الخليجيّ هو منهجيّة النماء والارتقاء التي اتبعها مجلس التعاون منذ انطلاقة مسيرته المباركة، التي اعتمدت على التدّرج في خُطوات مدروسة نحو بلوغ الأهداف المُحدّدة التي تضمنتها المادة الرابعة من النظام الأساسيّ للمجلس والتي تنصّ على تحقيق التنسيق والتكامل والترابط فيما بين الدول الأعضاء في الميادين المختلفة وصولاً إلى وحدتها، بالإضافة إلى اتباع النهج الحكيم الذي اختارته دول المجلس من خلال العمل على تكوين القناعات وذلك من خلال أهميّة إعداد الدراسات ومناقشة المُقترحات وتدارس الرؤى والأفكار كافّة وتبنّي ما تمّ التوافق عليه. وألقى السيد أحمد أبوالغيط كلمة أكّد فيها أنّ المؤتمر يجمع بين الاحتفال والاحتفاء من جانب، وتبادل المعرفة وتلاقح الأفكار من جانب آخر، احتفالاً بدولة الإمارات وعيدها، واحتفاءً بتجربة مجلس التعاون الخليجي الرائدة الذي احتضنت هذه المدينة أولى قممه منذ نحو 35 عاماً. وقال الفضل يعود لمؤسّسة الفكر العربي في إدخال هذا التقليد الرائع، فالاحتفال لا يكون بالأهازيج والأناشيد فحسب، وإنما بالفكر وتدارس التجارب وتعميم الخبرات. وإحياء ذكرى مرور 45 عاماً على إنشاء دولة الإمارات، و45 عاماً على انضمامها للجامعة العربية، هي مناسبة يجب أن نتوقّف أمامها بما يليق بها من التأمّل واستلهام العبر والدروس. وأكّد أبوالغيط أنّ ثمةَ دول تتفكّك ويتمزّق نسيجها، وأخرى يُناضل أبناؤها من أجل الحفاظ على كيانها، وهناك لاجئون بالملايين ونازحون ومشرّدون يقطنون المُخيمات ويعيشون على الكفاف، وثمّة مهاجرون ضاقت أوطانهم عليهم بما رحبت، فألقوا بأنفسهم في البحر، وفيهم النساء والأطفال، غير مبالين بالموت أو التشريد في بلاد غريبة، وكأنهم يهربون من الجحيم الذي يعيشونه ويعرفونه إلى جحيم آخر غير معلوم. مشدّداً على ثلاث أولويّات رآها تقع في القلب من فلسفة التكامل العربيّ، أولها تجديد معنى العروبة، ومواجهة أزمات الوجود، والتكامل العربيّ لتحقيق الصحوة الفكرية. بعدها سلّم صاحب السموّ الملكي الأمير خالد الفيصل، سموّ الشيخ حامد بن زايد آل نهيان، رئيسَ ديوان وليّ عهدِ أبوظبي درعاً تقديريّة لدولة الإمارات العربيّة. ثم عُقدت جلسة حول تجربة دولة الإمارات، قدّم فيها الدكتور أنور قرقاش مداخلة، أكّد فيها أنّ التجربة الاتّحاديّة هي تجربة عربيّة ناجحة، وهي نتاج تراكم خُطوات ومسارات، واجهت تحدّيات ومُفترقات طُرق. ولفت إلى تحدّيات عدّة راهنة تواجّه المنطقة العربيّة، أحد هذه التحدّيات الأساسيّة هو استعادة العنفوان العربيّ، والإمارات العربيّة المتّحدة بطبيعة الحال هي شريكة مع مجموعة من الدول العربيّة وعلى رأسها السعوديّة ومصر، مشيراً إلى أنّ هناك ضرورة للدفاع عن الفضاء العربيّ، ولا يمكن أن يكون مشاعاً كما هو الآن، ولا بدّ من استعمال هذه الشراكة الكبيرة بين الإمارات العربيّة ودول عربيّة أُخرى.