إن قضية الحوار إشكالية بحد ذاتها تنطلق أساساً من معطى معرفي لا أيديولوجي. لا بد أن نتفق أولاً على ضرورة التأسيس لثقافة الحوار، بالإجابة المشتركة عن سؤال: كيف نتحاور؟ فإذا كان الحوار والتواصل: هو القدرة على التفاعل المعرفي والعاطفي والسلوكي مع الآخرين، فإن ذلك يتوجب التحلي بأدب الاستقبال الذي يفيد الطرفين في استمرار الحوار والتواصل وشعور المتحدث بارتياح واطمئنان وشعور المستمع بالفهم الجيد والإلمام بموضوع الحوار مما يمكنه من الرد المناسب. فكلما ارتقينا في الحوار والتزمنا بآدابه وصلنا للهدف المنشود، فالحوار هو أنت!… إن كان الحوار راقياً فأنت راقٍ أو العكس بالعكس. ومع الأسف الشديد أن البعض يقصي الرأي الآخر بسيل من الشتائم والكلمات الجارحة والتعرض إلى الجوانب الشخصية وذلك ما يعيق لغة التفاهم ولا يأنس إلى رأي من يخالفه مع أن الرأي الآخر قد يكون أكثر نضجاً ومكانة رأي أحادي لا يقبل النقد ولا الحوار والمناقشة. ويرون أن الحق معهم وحدهم وأنهم من يمتلكون الحقيقة المطلقة ويرفضون بزعمهم بأن من أمامهم يحب الجدال وأن الله قال في كتابه المنزل: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْموْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن). مع أن الأفكار تتطور وتتغير مع الظروف والمكان. فلنعطِ مساحة كافية للتعبير والسماع للرأي الآخر وتقبله حتى لو كان مخالفاً. لقد تعودنا في مجتمعاتنا العربية أن نتلقى الأفكار المعلبة التي مرّ عليها الزمن ولم نتجرأ على مناقشتها أو معارضتها منذ نعومة أظفارنا من البيت والمدرسة والجامعة حتى في مجال العمل وذلك ما يعكس على سلوكيات الفرد الذي يضيق صدره ولم يتمكن من التنفيس ولم يجد من يسمعه، ولعل أحد معوقات التقدم في مجتمعاتنا هو غياب الرأي الآخر والتشكيك فيما هو جديد أو فكر حديث باعتباره خارج السياق!