كنت راكبا مع أبوعلي، وهو والد أحد أصدقائي، وكنا متجهين لحفل زفاف. كان يحدثني عن علاقته بوالدي العزيز أيام الصبا وكيف كانت الحياة حينها أهنأ وأهدأ بالاً. كنت مستمتعا بالإصغاء لحديث أبي علي، فعادة تكون أحاديث الماضي مشوقة، وفي الطريق توقفنا في محطة للتزود بالوقود، سألنا عامل المحطة عن كمية الوقود الذي نريده فأجابه أبوعلي بملء الخزان بأربعين ريالا ثم عاد لإكمال حديثه. حانت مني التفاتة لمضخة الوقود التي توقفنا عندها فوجدت مكتوبا عليها (ممتاز 95) فاعتذرت من أبوعلي لمقاطعته وقلت له: عفوا أبوعلي بنزين 91 في الصف الآخر. قال لي بثقة إنه وقف هنا عامدا! ولما استفسرت منه ذاكرا له بأن سيارته تحتاج لبنزين بأوكتان منخفض لايتجاوز ال 91، رد علي بقوله إنه ليس مضطراً للوثوق بما هو مذكور في كتيب السيارة خصوصا أنه يعلم بأن بنزين 95 أنظف، وهو يعطي محرك السيارة قوة أعلى وتوفيراً أفضل في استهلاك الوقود. جال في خاطري وأنا أجادله تلك الذكريات الجميلة التي سردها لي عن أيامه مع الوالد، فخفت أن أنسف انطباعاته الجميلة حيالها وقلت له: صادق أبوعلي. بعدها بفترة كنت مع صديقي علي وهو ابن طيب الذكر أبوعلي، وكنا في سيارته السيدان،ش وأراد أن يتزود بالوقود، فتوقف في محطة وقود، واختار أن يقف عند مضخة بنزين 95 فقلت له: لماذا تقف هنا وليس عند مضخة 91؟ كرر لي ولو بصيغة أخرى رأي والده. لم أجد هنا أي محذور أخافه من الدخول في جدال معه، خصوصا أن السنتين اللتين تفصلان بيننا في العمر تقف في صفي، فقلت له من أين لكم هذه القناعات التي لم أجد لها تبريرا تقنيا؟ فأنت إذا ملأت سياتك بوقود 95 لن يفرق معك شيء سوى اضطرارك لدفع قيمة أعلى. الحال أنني وجدت هذه المفاهيم المغلوطة عن مستوى الأوكتان منتشرة لدى شريحة واسعة من الناس حتى ليتبادر للذهن أنهم يظنون بأن بنزين 95 قد صنع بمواصفات جيدة بينما ال 91 أقل جودة!! إلا أن الحقيقة هي أن لكل واحد من هذين النوعين من الوقود استخداماً يتناسب مع معيارية معينة من المحركات. بمعنى أكثر توضيحا، فالمحدد لاختيار نوع الوقود هو ما يعرف بنسبة الانضغاط في أسطوانة الاحتراق (Compression Ratio) وهي النسبة من الضغط التي يحدثها المكبس (Piston) داخل الأسطوانة (Cylinder) عندما يكون في أعلى ارتفاعه قبيل الاحتراق. ومعدل الأوكتان في الوقود يتناسب مع مستوى تحمل هذا الوقود في مقاومة الاحتراق عند تعرضه للضغط، فكلما زاد مستوى الأوكتان زادت مقاومته للاحتراق، ومن المعلوم في محركات البنزين أن إشعالها ينبغي أن يتم فقط بواسطة شمعات الاحتراق (Spark Plug) وليس ذاتيا، وهو حقيقة ما يميز هذه المحركات عن نظيراتها التي تعمل بوقود الديزل وتتم فيها عملية الاحتراق عبر تعرض مزيج الهواء والوقود لضغوط تصل لقرابة ضعف معدلاتها في محركات الوقود ودون الحاجة لشمعات احتراق. فاستخدام وقود بأوكتان منخفض في محرك ذي نسبة انضغاط عالية يجعله ينفجر قبل وصوله لأعلى ارتفاع للمكبس وقبل توقيت إشعال شمعة الاحتراق ما يعرض المحرك لظاهرة تسمى (knocking) وهي ظاهرة تؤذي المحرك على المدى الطويل، وعلى الرغم من أن المحركات الحديثة التي تتمتع بتقنيات متطورة من التعيير المستمر لزاوايا الفتح وزمن هذا الفتح في صمامات الأسطوانة (Variable Timing and Lift Control) تستطيع التعامل مع هذه الظاهرة وحماية المحرك من العطب، إلا أن ذلك يأتي على حساب فاعلية المحرك وتقليل القوة المستخرجة منه. أما في المقابل وفي الحالة المعاكسة عندما يتم تزويد محرك ذي نسبة انضغاط منخفضة بوقود ذي معدل أوكتان عالٍ أي أن تستخدم بنزين 95 في سيارة ينصح لها بنزين 91 فما سوف يحدث أن الوقود عالي الأوكتان (95) لن ينفجر إلا بشرارة شمعة الاحتراق، وذلك لما أسلفنا ذكره من تحمله العالي للانضغاط ولكنه لن يفيد بشيء يتفوق به على الوقود المنصوح به. إلا أن سعره الأغلى يجعل من استخدامه في هذه الحالة هدرا للمال بغير طائل.