نحن لا نرى إلا ما يرغبون هم أن نراه. قبل بضعة أسابيع انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي صورة فطور جميل ومرتب؛ انتشار الصورة لم يكن سببه جمال الصورة ولا محتوياتها الأساسية بل الصورة المنعكسة للشخص الذي التقط الصورة. الصورة طبيعية جدا ولا يوجد فيها شيء يختلف عما يكون في أكثر بيوتنا، فشخص يلبس لباسا مقبولا في المنزل يصور فطوره وينشره في وسائل التواصل الاجتماعي كما يفعل كثير من الناس هذه الأيام بعد أن أصبح الناس ينشرون يومياتهم وجزءا من حياتهم الخاصة. السبب في انتشار الصورة هو أن الناس ركزوا على لباس الرجل واعتبروه لا يتناسق مع محتوى وفكرة الصورة وتم التعاطي مع الصورة من منظور فكاهي وتندر خصوصا أن لباس الرجل له يذكر كل من رآه بمصطلح أو عبارة طريفة يتندر بها بعضهم أحيانا ويصفون بها الرجل السعودي. هذه الصورة نموذج واقعي لما يحصل كثيرا في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث إن من يقومون بنشر يومياتهم أو أحداث حياتهم أو صورا منها وتحديداً الخاصة هم لا ينشرون إلا الجزء الذي يرغبون أن نراه ونشاهده. نجد البعض يصور جزءا من المنزل لكنه لا يصور كامل الغرفة – مثلاً – لأن الغرفة بمجملها غير مرتبة وأن هذا الجزء من الغرفة فقط هو الأجمل والأنسب لأن يريه الآخرين. بعضهم ينشر صورا للوجبات الغذائية التي يأكلها، لكنه ينشر الوجبات التي تكون مرتبة أو بها تميز وربما كنوع من "الهياط" يتم نشر وجبات الحفلات، لكنه لا ينشر صور كامل وجباته كل يوم لأنه لا يمكن أن يكون كل أكله بتلك الصورة. هذه الصور والمقاطع عندما تنتشر فإن المتلقي ومن يراها يتأثر بها ويظن أن هذا هو حال هؤلاء دوما، مع أن الحقيقة أن حالهم كحال صاحب الصورة الذي تحدثنا عنه في أول المقالة. هم أناس حياتهم في مجملها حياة طبيعية يأكلون كما نأكل ويلبسون كما نلبس لكن عددا منهم يحبون أن ينشروا الجزء الأفضل في حياتهم ويتعمدون إغفال الجوانب المظلمة في حياتهم. ما يقوم به هؤلاء الناس أمر طبيعي فلا أحد يرغب أن يعرف الناس أن بيته غير مرتب أو ينشر صورا ومقاطع لملابس أو منزل أو أكل يظهره بصورة غير لائقة، مع أن حياتنا جميعا فيها تشابه كبير. ليس كل الناس يتناولون فطورا إنجليزيا بل إن الغالب لا يفطرون. كثير منا يتناول طعامه على الأرض مع أن عددا منا لديه طاولة طعام أحضرها ولم يستفد منها إلا للتصوير، وقس على ذلك كثيرا. هناك من ينشرون صورا لهم مع أطفالهم أو أفراد أسرهم وهم في لحظات فرح وسرور، شيء جميل، لكن بعضهم يظن أن هذا هو حال الأسرة في كل حين وأن تعامل الوالدين مع أطفالهم أو الأبناء مع والديهم بهذا الشكل دوما وأن لحظاتهم كلها صفاء وسعادة، هذا غير صحيح فكل البيوت بها اختلافات ومناوشات وتخاصم أحيانا حتى تلك البيوت التي يسكنها من يظهرون لنا بين الفينة والأخرى ليقولوا لنا كيف ندير شؤون حياتنا.