عندما يدور النقاش حول سيد قطب، فإنه من الصعب أن يبقى الحوار عقلانيّاً، فعندما تتحدث عن الكوارث التي أصّلها سيد قطب في الثقافة العربية، يرِد إليك اعتراض من نوع «ولكن لغته جميلة»! وعندما تعترف لمحبيه بأن لغته فاتنة وأن غرضك مناقشة أفكاره لا لغته، يحيد حزب الدفاع نحو قصة «إن الأصابع التي تعلمت الاستغفار لا تستطيع أن تكتب اعتذاراً لطاغية»، تلك القصة التي ثبت أنها لم تحدث، وإنما تم تأليفها ذات أمسية بعد الإعدام. كل هذا لن يمنعنا من القول إن قطب لم يكن من علماء الشريعة، بل كان من رجال الأدب، وكم أتعجب ممن يستشهد به ويستدل به في الرسائل العلمية المخصصة لدراسات العقيدة، فالرجل تلميذ من تلاميذ عباس محمود العقاد، كان في شبابه يكتب في جريدة ماسونية تسمى جريدة «التاج المصري» وهي جريدة لم يكن يُسمح لغير الماسون بالكتابة فيها. كثير من القراء يُصدم عندما نذكر له أسماء الماسون من أمثال جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وحسن البنا وسيد قطب، ويشكك في هذه الحقائق بحجة أن هؤلاء رجال متدينون، فكيف يكونون ماسونيين؟ والصحيح أن الماسون لم يكونوا يعترضون على تديّن الفرد بتاتاً، فقد كانوا يرفعون شعارات وحدة الأديان والمساواة والمحبة والصداقة، المهم عندهم ألا تفشي أسرارهم وألا تعترض على خطط الإمبريالية التي تسعى للهيمنة، وسيدعمونك بكل قوة عندما تقوم بدور هدمي تدميري في داخل مجتمعك، كالدور الذي قام به سيد قطب من خلال كتابيه «في ظلال القرآن» و«معالم في الطريق». هذان الكتابان يحويان حكماً قاطعاً ونهائيّاً على المجتمع المسلم والأمة الإسلامية بأكملها بأنها جاهلية وأشد كفراً من أهل مكة أيام البعثة المحمدية، وأن الأمة قد كفرت فعلاً بالإسلام، حتى وإن كانت لا تزال تردد الشهادتين وتصلي وتصوم وتحج البيت، وأنه لم ينج من الجاهلية إلا قطب وجماعته التي يسميها: الجماعة المؤمنة، وأن التطهر من الجاهلية لا يكون إلا من خلال العزلة الشعورية ومفارقة المجرمين بالروح إن لم تسهُل مفارقتهم بالجسد. ورسالة «الظلال» واضحة حين تقول للجماعة المؤمنة إن الثورة والصدام الحربي مع المجتمع الجاهلي آتية لا ريب فيها، سواء طال الزمن أو قصر. من الناحية العملية، هذه الجماعة المؤمنة، هم الإخوان المسلمون الذين كانوا مع سيد قطب في السجن وهو يدوّن فصول الظلال، ليس كل الإخوان، فالإخوان قد انقسموا وتشظوا لجماعات متعددة أصلها واحد. وكان قطب يُسرّ بتعاليمه للخاصة من مريديه بغير ما يقوله في المجالس العامة. وهكذا بدأ التشظي في الجماعة الأم ومن هنا نتصور كيف خرجت الجماعات الجهادية من رحم الإخوان، وكان أولها جماعة شكري مصطفى الذي أعدمه السادات في 1978. قبل أن نغادر سيد قطب وكتبه، لا بد من القول إن حكومة عبدالناصر كانت حمقاء لأقصى درجات الحمق، عندما سمحت لقطب بإكمال هذين الكتابين «المدمِّرين» في السجن، فقد أجمع الباحثون بأن أجواء السجن ألقت بظلالها الكئيبة على الكتابين. السجن، وما يكتنفه من التعذيب والإهانات الشخصية، كان المناخ والسبب المباشر لظهور هذه الأفكار البشعة اللا- إنسانية. لقد خرج كتاب قطب عائذاً بالقرآن من العذاب الذي عاشه، لكنه أيضاً حاول أن يحمّل القرآن قضايا لا علاقة للقرآن بها، مثل رغبة قطب في الانتقام من جلاديه، الانتقام من ثورة 23 يوليو التي فرح بها قطب عندما قامت وتعامل معها في البداية وكأنه مرشدها الأعلى ليكتشف بعد ذلك أن الأمور لا تسير على هواه. هل عرفتم الآن كيف ذُبحت أختنا هيلة العريني وهي غافلة في بيتها على يد ولديها الصغيرين؟!