بدأت ملامح منفذ اعتداء نيس الذي تبناه تنظيم داعش تتضح أمس مع الاستماع إلى شهود تحدثوا للمرة الأولى عن تديُّنه، في وقت تسعى فيه الحكومة الفرنسية إلى إثبات فاعليتها في مكافحة الإرهاب على وقع الانتقادات. وتبيَّن أن القاتل رصد موقع الاعتداء بشاحنته يومي 12 و13 يوليو، قبل مجزرة 14 منه، وفق ما أفاد أمس مصدر قريب من المحققين الفرنسيين. وأشار عديد من الشهود الذين تم استجوابهم من بين نحو مائة، إلى تديُّن التونسي محمد لحويج بوهلال المجهول لدى أجهزة الاستخبارات الفرنسية. وكان والده أكد أنه «لا علاقة له أبداً بالدين». وأظهرت الشهادات الأولى للجيران أن المهاجم الذي وصفه تنظيم داعش في بيان التبني بأنه «جندي للتنظيم»، يفتقر إلى التوازن في شخصيته وأثار «أزمات» عدة مع عائلته. وأمس اعتقلت السلطات شخصين إضافيين هما رجل وامرأة بحسب مصدر قضائي. ولا يزال أربعة رجال قريبون من محمد لحويج بوهلال موقوفين، في حين تم الإفراج عن زوجته السابقة. وقال أحد الرجال الموقوفين بحسب ما نقل عنه محاميه جان باسكال بادوفاني، إن القاتل كان «مندمجاً في نيس ويعرف عدداً كبيراً من الناس». لكن أشخاصاً يرتادون قاعة رياضية كان يتردد إليها وصفوه بأنه «مخادع». وقال شقيق المتهم التونسي بتنفيذ هجوم نيس في فرنسا إن شقيقه اتصل به هاتفياً قبل ساعات من تنفيذ الهجوم الذي أودى بحياة 84 شخصاً على الأقل، كما أرسل إليه صورة شخصية وهو يضحك ضمن الحشد في مكان الهجوم. والسبت، قال وزير الداخلية برنار كازنوف بعد اجتماع لخلية الحكومة «يبدو أنه تطرف بسرعة كبيرة». وكان منفذ الاعتداء انقض بشاحنته الكبيرة على المتجمعين في جادة «لا برومناد دي زانغلي» في نيس مساء العيد الوطني وسحق مائتين منهم متسبباً في مقتل 84 بينهم عشرة أطفال وفتيان. وبين القتلى 17 أجنبياً على الأقل. ولا يزال 85 من جرحى الاعتداء في المستشفى. وبعد ثمانية أشهر من إعلانها حال الطوارئ في فرنسا وإقرارها قوانين جديدة لمكافحة الإرهاب في غمرة اعتداءات المتشددين في 13 نوفمبر بباريس، دعت الحكومة الاشتراكية السبت «جميع الفرنسيين الوطنيين» إلى دعم قوات الأمن. ونداء برنار كازنوف للانضمام إلى عناصر الاحتياط في الشرطة والدرك هو الاقتراح الوحيد الجديد من جانب السلطة التي حوصرت بالانتقادات من كل الجهات بعد ثلاثة أيام من مجزرة نيس. وجدَّد آلان جوبيه، رئيس الوزراء السابق والمرشح لانتخابات اليمين الرئاسية التمهيدية، هجومه أمس على الحكومة، وقال «يمكننا القيام بمزيد و(اتخاذ تدابير) أفضل رغم أن انعدام خطر (وقوع اعتداءات) غير موجود بالتأكيد». ودعا في هذا السياق إلى «الانتقال للسرعة القصوى» ضد الإرهاب. بدوره، أيَّد رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه، تمديد حال الطوارئ بعد اعتداء نيس، مشدداً أمس على أن «الفرنسيين ينتظرون أكثر من رئيس الجمهورية والحكومة». من جهتها، دعت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن، وزير الداخلية، السبت، إلى الاستقالة على خلفية «التقصير الخطير» للدولة في حماية الفرنسيين. غير أن رئيس الوزراء مانويل فالس، حذَّر عبر صحيفة «لو جورنال دو ديمانش» من أي مزايدة، وقال «أرى أن تصاعد وتيرة الاقتراحات يعكس محاولة متزايدة للتشكيك في دولة القانون». وأضاف أن «التشكيك في دولة القانون والتشكيك في قيمنا سيكون أكبر استسلام». وعلى صعيد عدد قوات الأمن، تسعى السلطات بكل ما أوتيت إلى طمأنة الرأي العام. وأكد كازنوف أن «مائة ألف شرطي ودركي وعسكري مستنفرون لضمان أمن مواطنينا». من جهته، أكد وزير الدفاع جان إيف لودريان أن المشاركين في العملية العسكرية الذين رفع عددهم من سبعة آلاف بعد نهاية كأس أوروبا 2016 إلى عشرة آلاف، سيبقون على هذا النحو «حتى نهاية الصيف». واستياء الفرنسيين المتعاظم من موجة الاعتداءات عكسته رسائل وضعت في الجادة المستهدفة في نيس، وأبرز ما كتب فيها «كفى خطابات» و»سمئنا المجازر في شوارعنا» و»فلنوقف المجزرة».