بعد إطلاق رؤية السعودية 2030 المباركة بإذن الله تم قبل أيام إطلاق برنامج التحول الوطني 2020 لعدد من الوزارات، الذي يحقق بعض ما جاء في الرؤية. ومقالي اليوم يخص بحكم الاختصاص وزارة التعليم، التي أعلنت عن 8 أهداف استراتيجية لها مرتبطة بأهداف رؤية السعودية. سوف أقوم فقط باستعراض تلك الأهداف والتعليق عليها. من الملاحظ في الهدف الاستراتيجي الأول أنه هدف رائع ولكن أجد صعوبة بالغة في ربطه مع رؤية السعودية 2030 فهدف الوزارة هو إتاحة التعليم للجميع من خلال رفع نسبة الملتحقين برياض الأطفال ومراكز محو الأمية ومراكز خدمة ذوي الإعاقة وتقديم النقل المدرسي، وهدف الرؤية هو بناء شخصية المواطن وتزويده بالمهارات اللازمة لمواءمة احتياجات سوق العمل المستقبلية! أتمنى أن يكون هناك خطأ مطبعي وراء هذا الخطأ الكبير. وحتى بعد تعديل هذا «الخطأ المطبعي» أرى أن هدف الرؤية طموح جدّاً ومطلوب، بينما هدف الوزارة قديم ومتكرر ولا يرقى لطموح التحول الوطني لأن هناك فرقاً بين واجب وطني وتحول وطني؛ وما ذُكِر لا يتعدى كونه واجباً وطنيّاً يجب أن يكون. الهدف الاستراتيجي الثاني: مواءمته مع هدف الرؤية أفضل من الهدف السابق وربما هنا لا ألوم فقط وزارة التعليم لأنه ربما لم تكن هناك أهداف صريحة وواضحة في رؤية 2030 للتعليم، مما جعل الزملاء في وزارة التعليم يبحثون عن أي مخرج لإلصاق بعض الأهداف البعيدة مع الرؤية. ولكن بشكل عام هدف الوزارة المذكور هدف رائع، وفعلاً أتمنى أن يتحقق من خلال برامج أكثر من التي تم ذكرها؛ فعدد برامج التطوير المهني وساعات التطوير المهني للقادة لا تكفي لتحقيق الهدف، وسننجح كميّاً لا كيفيّاً، ونسبة المجتازين لاختبارات قياس لا تكفي وحدها في تحقيق هدف تحسين استقطاب المعلمين! وفي هذا الهدف ربما يتضح أن الوزارة لا تريد أن تقدم على خطوات جريئة بل تحاول تحسين ما تقوم به لأننا لم نر برامج جريئة وجديدة نحو التحول الكبير بل التحسين من خلال أدوات الوضع الراهن وما تقوم به فعلاً اليوم. أما الهدف الثالث، فهو هدف قديم جديد ونذكره في جميع خططنا لأهميته، وذكره المستمر لا يعني أننا حققناه ولكن لايزال مطلباً ملحّاً. الجميل في الهدف أنه ذكر تحسين البيئة التعليمية المحفزة للإبداع والابتكار، وهنا تعميم، وهذا هو الأصل ولكن مؤشرات الأداء كانت ضيقة وخاصة بشريحة الموهوبين فقط! ليست هذه المشكلة ولكن من وجهة نظري الخاصة أن الاعتماد على عدد الميداليات والأوسمة في المسابقات الدولية كمؤشر أداء هو المشكلة الحقيقية! لأننا بهذا استهدفنا شريحة صغيرة جدّاً ولم نركز على تحسين البيئة بل تحسين الأداء في المسابقات وتعلمنا لعبة الفوز بها، والأدهى والأمرّ أن معظم الميداليات السابقة التي تحققت هي مسابقات تجارية يسهل فيها الحصول على الميداليات ولا تعكس الواقع الحقيقي لتعليمنا، وفي أحسن الأحوال تعكس تميز الطالب والمشرف عليه وفهم لعبة الفوز! الهدف الاستراتيجي الرابع لوزارة التعليم كسابقه من الأهداف التي تذكر في جميع الخطط السابقة واللاحقة، ولكن مصدر التميز فيه يكمن في طريقة تحقيقه. وهنا تم ذكر أربعة اختبارات دولية كمؤشرات أداء لتحقيق هذا الهدف، وهذا أمر رائع لأن الارتباط مع الاختبارات الدولية المعيارية من المفترض أنه يجبرنا أن نحسِّن مناهجنا بناء عليها ولكن يجب أن لا يتوقف جل التحسين على هذا العامل الوحيد، فهناك محددات كثيرة مهمة يجب أن نأخذها في عين الاعتبار لتطوير المناهج ليس للفوز في الاختبارات الدولية بل لتحصين فكر شبابنا ولتحسين مهاراته لدخول سوق العمل المحلي وكذلك مده بأهم المهارات الحياتية التي تجعله فرداً مميزاً ومواطناً متميزاً. أما الهدف الخامس، فكان ارتباطه مع هدف الرؤية 2030 مناسباً جدّاً بالرغم من أنه كان بالإمكان عدم إفراد هدف مستقل له ودمجه مع الهدف السابق الخاص بتطوير المناهج والبرامج وأساليب التعليم، لكن لا بأس لأنه تم ذكر مؤشر أداء جميل جدّاً يتطلب جهداً كبيراً جدّاً لتحقيقه للوصول إلى آلية فاعلة لتحسين خدمات أندية الحي التي قد لا نكاد نراها بوضوح، ولكن بما أنها كتبت هنا فبالتأكيد سيكون هناك عمل كبير لتحقيق هذا من قبل عدد من الجهات. أجمل ما في الهدف الاستراتيجي السادس ليس الهدف في حد ذاته بل تحفُّظ الوزارة عليه! وكأن الوزارة هنا تقول لقد طفح الكيل لن نستطيع هنا أن نجامل ونجد هدفاً يوائم الرؤية! وأنا هنا أقف في صف وزارة التعليم التي دوماً تُتَّهم بأنها وراء البطالة وأن خريجيها غير صالحين لسوق العمل دون النظر لباقي الزوايا لهذه النتيجة! نعم هناك جهات أخرى وعلى رأسها وزارة العمل ووزارة الخدمة المدنية يجب أن تقوم بخطوات جادة وخطوات ثنائية مع وزارة التعليم لإيجاد حلول حقيقية لهذه المعضلة. لأننا في النهاية لا نريد تعليماً لسوق العمل بل متعلمين للحياة، وهناك مهارات حياتية يجب ألا نهملها، وتخصصات علمية وأدبية يجب ألا نقفلها تلبية لنداء سوق العمل! فالتعليم تعليم والعمل عمل، والتوازن مهم لأننا مع الوقت سنجد أنفسنا نلغي المناهج الدينية واللغوية والاجتماعية والتربوية لأنها لا تحقق رؤية بناء الإنسان المغذي لسوق العمل! وقبل أن نفكر في خريجي المستقبل يجب أن تفكر الوزارة في العاطلين الحاليين وتشارك مع الوزارات المعنية في حل هذه المعضلة في بناء برامج تجسير وبرامج تدريب تحويلي تعيد صناعة وتأهيل الخريج العاطل ليصبح مؤهلاً مهاريّاً لبعض فرص العمل المتاحة. دكتوراة في القيادة التعليمية