يحتفل العالم اليوم الإثنين بيوم التراث العالمي الذي يوافق 18 إبريل من كل عام بهدف الدعوة لحماية التراث الإنساني والتعريف به وبجهود الجهات والمنظمات ذات العلاقة. ويأتي يوم التراث العالمي هذا العام متزامنا مع الإنجاز الذي حققه التراث الوطني في المملكة المتمثل في إشادة البيان الختامي لمؤتمر القمة الإسلامي الذي عقد بمدينة إسطنبول التركية الأربعاء والخميس الماضيين بتأسيس المملكة برنامجا باسم خادم الحرمين الشريفين يهتم بالعناية بالتراث الحضاري، وكذلك إنشاء الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني لمركز يُعنى بالتراث العمراني كجهة تهتم بالمحافظة على التراث الوطني وإعادة تأهيله، وتعديل مسمى «الهيئة العامة للسياحة والآثار» مؤخراً ليصبح «الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني»، ليشمل كل عناصر ومكونات التراث، وكذلك إصدار قرار بالمحافظة على مواقع التراث الإسلامي، واعتماد نظام الآثار والمتاحف والتراث العمراني واللوائح التنفيذية لها. وجاءت هذه الإشادة المهمة على مستوى قادة الدول الإسلامية في بيانهم الختامي للقمة لتؤكد أهمية برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري الذي تتبناه الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ودوره في العناية بالتراث الحضاري الذي يعد مكونا أساسا لهوية هذه البلاد بما تمثله من مكانة تاريخية وحضارية حيث تقف على حضارات متعاقبة أسهمت في بناء الحضارة الإنسانية وتوجت بالحضارة الإسلامية الخالدة. وجاءت إشادة القمة لتبرز النقلة المهمة التي شهدتها المملكة في مجال التراث الوطني من خلال الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني التي أحدثت تحولا نوعيا في النظرة للتراث وتعاطي الدولة والمجتمعات المحلية معه، مما أسهم في استصدار عدد من القرارات والأنظمة وقيام كثير من المشاريع التراثية في مختلف مناطق المملكة. ويمثل برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري الصادر بالأمر السامي الكريم رقم (28863) وتاريخ 21 /7 /1435ه، مشروعاً تاريخياً وطنياً مهماً، ينتظر أن يحدث نقلة نوعية في برامج ومشاريع التراث الحضاري الوطني. وتم اعتماد البرنامج من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – وأعيد إقراره والتأكيد عليه وتوسيع مجالاته من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله- رائد التراث ورجل التاريخ. و تبنى صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني هذا البرنامج وتابع التفاصيل المتعلقة بالإعداد لهذا البرنامج بوصفه أولوية وطنية لها ارتباطها الوثيق بالهوية الوطنية وتعزيز المواطنة، إلى جانب أهميته الاقتصادية حيث يشكل قطاع التراث مجالاً اقتصادياً واعداً، إضافة إلى أهمية البرنامج في إبراز الهوية الإسلامية والعربية التي تمثل الجزيرة العربية منبعاً لها، وتعتز المملكة بعروبتها وإسلامها وبكونها تقع في نقطة التقاء الحضارات ونشوء الحضارة الإسلامية والعربية. ويهدف البرنامج الذي تنفذه الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالتعاون مع عدد من الجهات الحكومية الى تحقيق الحماية والمعرفة والوعي والاهتمام والتأهيل والتنمية بمكونات التراث الثقافي الوطني وجعله جزءا من حياة وذاكرة المواطن، والتأكيد على الاعتزاز به وتفعيله ضمن الثقافة اليومية للمجتمع، وربط المواطن بوطنه عبر جعل التراث عنصرا معاشا، وتحقيق نقله نوعية في العناية به. ويركز البرنامج على الجهود والبرامج المتعلقة بتوعية المجتمع بالتراث الحضاري والتعريف به، ليتعرف المواطنون على تراث وطنهم ومعالمه التاريخية، وليتعايشوا مع هذه المواقع ويتفاعلوا معها لا أن يقرأوا عنها في الكتب فقط، وهذا ما أكده خادم الحرمين الشريفين -رعاه الله- في الاجتماع الخامس والأربعين لمجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز من أهمية الجهود التعريفية والتوعوية بالتراث ليعيش المواطن وخاصة الشاب هذا البلد ويعرف ملحمة تأسيسه وتوحيده، وأنه هو وأسرته وآباؤه وأجداده كانوا جزءا من وحدة بناء هذه الملحمة الوطنية المباركة التي هي اليوم بحمد الله لا تزال وستظل بإذن الله شامخة. ويشمل 10 مسارات وهي العناية بمواقع التاريخ الإسلامي، إنشاء وتأهيل وتجهيز المتاحف والمواقع الأثرية في المناطق والمحافظات، التشغيل والصيانة للمتاحف والمواقع الأثرية، المحافظة على مواقع التراث العمراني وتنمية القرى التراثية، تسجيل وحماية الآثار والبحث والتنقيب الأثري، برامج وأنشطة المتاحف والمواقع الأثرية، تنمية الحرف والصناعات اليدوية، التوعية والتعريف بالتراث الوطني، استقطاب وتطوير الكوادر البشرية اللازمة لإدارة التراث الوطني، فعاليات التراث الثقافي. وتنفذ الهيئة في إطار هذا المشروع مجموعة من المشاريع والبرامج المهمة، أبرزها: التوعية الإعلامية بالتراث الوطني، ومشاريع الآثار والمتاحف، ومشاريع التراث العمراني والحرف والصناعات اليدوية، وكذلك استعادة الآثار الوطنية من الداخل والخارج. وتقوم الهيئة حالياً بالتعاون مع البنك الدولي ومنظمتي الأممالمتحدة للسياحة العالمية واليونسكو بإعداد دراسة شاملة عن الأثر الاقتصادي لمشاريع وبرامج التراث الوطني في المملكة. ويتوقع خلال السنوات الأربع القادمة إنجاز عديد من المشاريع ضمن مشروع خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري؛ ومن ذلك افتتاح (18) متحفاً في عدد من مناطق المملكة، وتهيئة (56) موقعاً أثرياً للزيارة، واستكمال بعض مشاريع شركة الضيافة التراثية، والبدء في تنفيذ مشاريع كبرى بالشراكة مع الجهات الحكومية الأخرى المعنية والقطاع الخاص؛ ومنها مشروع مدينة سوق عكاظ، واكتمال أعمال التطوير في أكثر من (26) قرية تراثية، وأكثر من (300) مبنى تراثي مميز، واكتمال تهيئة أكثر من (26) من مبان أثرية وقصور الدولة التاريخية، وافتتاح حي الطريف في الدرعية التاريخية لتكون إضافة مهمة لسياحة الوطن، وإنجاز مشروع تطوير وسط الرياض. وكان من أبرز الإنجازات المتعلقة بالتراث الوطني صدور نظام الآثار والمتاحف والتراث العمراني بالمرسوم الملكي رقم (م/3) وتاريخ 9 /1 /1436ه الذي تضمن منظومة متكاملة من الأحكام والقواعد لتنظيم التراث الوطني وحمايته وتوثيقه وصيانته وتهيئته وتحفيز الاستثمار فيه وتفعيل مساهمته في التنمية الثقافية والاقتصادية، وقد أصدر سمو رئيس الهيئة قرارا باعتماد اللوائح التنفيذية للنظام تمهيدا لتطبيقه. وجاء قرار مجلس الوزراء الذي صدر في 13 رمضان 1436ه بتغيير مسمى الهيئة العامة للسياحة والآثار لتصبح الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني امتدادا للثقة التي تضعها الدولة وتلبية لتطلعات المواطنين في هذه المؤسسة الوطنية التي التزمت دائماً بأعلى معايير الأداء وأسست لمنهجية إدارية في العمل الحكومي منذ تأسيسها، وتمثل موافقة مجلس الوزراء على تحويل مسمى الهيئة تأكيداً لمكانة التراث الوطني واهتمام الدولة به كقطاع أصيل يرتبط بتاريخ المملكة ويمثل قيمة حضارية لموقع المملكة في التاريخ الإنساني، و يولي الهيئة مسؤولية جديدة بلورة جهود ترسيخ الاهتمام بالتراث الوطني في نفوس المواطنين، وغرس قيم المواطنة وتعزيز الانتماء لهذه البلاد الطاهرة. وإدراكاً لأهمية التراث الوطني للمملكة، وقيمة الكنوز الأثرية التي تنتشر في كل مناطقها، وقد استفادت الهيئة من خبرتها التراكمية في مجال توظيف أنظمة تقنية المعلومات في خدمة الآثار الوطنية، والتحول إلى بيئة العمل الإلكتروني لتوثيق وإدارة مواقع التراث الوطني بكفاءة أكثر، فأنشأت «سجل الآثار الوطنية» عام 1432ه، وهو يضم الآن أكثر من (7270) موقعاً أثرياً، ويجري العمل حالياً على استكمال تسجيل باقي المواقع الأثرية. وتوسعت الهيئة في أعمال المسح والتنقيب الأثري ليأخذ في شكله ومضمونه منحى آخر أكثر شمولية ومنهجية ويشمل مواقع أكثر، لما لذلك من أهمية كبيرة في تعزيز البعد الحضاري للمملكة من خلال الاكتشافات التي يتم تحقيقها، وقد نفذت الهيئة كثيرا من البرامج البحثية والأعمال الميدانية الأثرية من خلال فرق محلية ودولية متخصصة وباستخدام أساليب علمية وفيزيائية حديثة، حيث تنفذ الهيئة برنامجاً للتنقيب والمسح الأثري في كل مناطق المملكة نتج عنه حصر وتسجيل آلاف المواقع الأثرية، وتدير الهيئة (34) بعثة سعودية ودولية مشتركة في المواقع الأثرية، من خلال التعاون مع بعثات أثرية من: فرنسا، وإيطاليا، وأمريكا، وبريطانيا، وألمانيا، واليابان، وبلجيكا، وبولندا، وفنلندا، والنمسا. وفي إطار اهتمام الهيئة باستعادة الآثار أطلق رئيس الهيئة في شهر محرم عام 1433ه، «حملة استعادة الآثار الوطنية»، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز – رحمه الله-، وقد أسفرت جهود الهيئة في هذا المجال عن استعادة أكثر من (17) ألف قطعة أثرية من داخل المملكة، وأكثر من (30) ألف قطعة أثرية من خارج المملكة، مضى على اختفاء بعضها أكثر من (50) عاماً، وحققت الحملة نجاحاً كبيراً توجته الهيئة بإقامة معرض (الآثار الوطنية المستعادة) الذي أقيم عام 1433ه، وتواصل الهيئة جهودها لاستعادة مزيد من الآثار من الداخل والخارج وفق الأنظمة والاتفاقات المحلية والدولية. وأولت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني تسجيل المواقع الأثرية والتراثية بقائمة التراث العالمي في «اليونسكو» اهتماماً كبيراً، بهدف إبراز البعد الحضاري للمملكة، والمحافظة على تراثها الوطني، والتعريف بقيمته التاريخية، وقد بدأت عملية تسجيل المواقع السعودية في القائمة عندما صدر قرار مجلس الوزراء عام 1427ه بالموافقة على تسجيل ثلاثة مواقع سعودية ضمن قائمة التراث العالمي باليونسكو، وهي (مدائن صالح، والدرعية التاريخية، وجدة التاريخية)، وقد عملت الهيئة على إعداد وتقديم الملفات الخاصة بالمواقع الثلاثة لمنظمة اليونسكو، فتم تسجيل موقع مدائن صالح في القائمة كأول موقع سعودي يدرج بالقائمة في شهر رجب عام 1429ه/ 2008م، وأعقبه تسجيل حي الطريف بالدرعية التاريخية عام 1431ه/ 2010م، ثم موقع جدة التاريخية الذي تم تسجيله عام 1435ه/ 2014م. ووافق المقام السامي على طلب الهيئة تسجيل مواقع الرسوم الصخرية بمنطقة حائل بقائمة التراث العالمي، وقد حصل الموقع على الموافقة بالإجماع وتم تسجيله يوم الجمعة 16 رمضان 1436ه، الموافق 3 يوليو 2015م، ليكون الموقع الرابع للمملكة في قائمة التراث العالمي بعد مدائن صالح والدرعية وجدة التاريخية، وتعمل الهيئة على تسجيل (10) مواقع أخرى خلال السنوات القادمة، وهي: (الفنون الصخرية في بئر حمى، قرية الفاو بمنطقة الرياض، واحة الأحساء، طريق الحج المصري، طريق الحج الشامي، درب زبيدة، سكة حديد الحجاز، حي الدرع بدومة الجندل، قرية ذي عين التراثية بمنطقة الباحة، قرية رجال ألمع التراثية بمنطقة عسير). ووضعت الهيئة استراتيجية لتطوير القطاع، فربطت المتاحف بالمسارات والأنشطة السياحية في مناطق المملكة، وعملت على إنشاء (5) متاحف إقليمية في كل من: (الدمام، والباحة، وأبها، وحائل، وتبوك)، وتطوير (6) متاحف قائمة في كل من: (تيماء، ونجران، وجازان، والأحساء، والعلا، والجوف)، وتشمل عملية التطوير المباني والعروض المتحفية، وبالإضافة إلى إنشاء المتاحف الجديدة، وتطوير المتاحف القائمة. كما عملت الهيئة على توظيف بعض المباني الأثرية والتاريخية التي تم ترميمها كمتاحف للمحافظات، ويبلغ عددها (15) متحفاً، كما تقوم الهيئة بدعم المتاحف الخاصة لتكون مؤهلة لمزاولة نشاطها المتحفي واستقبال الزوار، وقد منحت الهيئة حتى الآن تراخيص ل(131) متحفاً من إجمالي المتاحف الخاصة التي تنطبق عليها معايير الترخيص. كما تنظم الهيئة ملتقى لأصحاب المتاحف الخاصة يقام كل سنتين في منطقة من مناطق المملكة، بالإضافة إلى تنظيم رحلات خارجية لأصحاب المتاحف الخاصة لاستطلاع التجارب المميزة في هذا الجانب وتبادل الخبرات.