حلقات يكتبها: مشعل السديري عبد الحكيم عامر فشل في حرب السويس فعيّنه عبد الناصر نائبا له وحاكما مطلقا لسوريا الطريقة التي انتهت بها معركة 56 مهدت لهزيمة 67 أيهما أكثر تناقضا وكراهية لدول الغرب ماو تسي تونغ أم عبد الناصر؟! أيهما أغنى وأقوى الصين أم مصر؟! ولنبدأ بالعلاقة الأولى، فمن أكثر العلاقات غموضاً وغرابة هي العلاقة العميقة الطويلة بين عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، ولا أعلم هل عرفا بعضهما البعض منذ الطفولة، أم في بداية مرحلة الشباب، ولكن من المؤكد أنهما كانا (يمونان) على بعضهما البعض لأن عامر كان ينادي جمال (بجمي)، وجمال ينادي عامر (بحكيم)، ومن شدة هذه العلاقة التي تكاد أن تكون عضوية، وجدنا كل واحد منهما أطلق على ابنه اسم الآخر. غير أن تلك العلاقة انتهت نهاية مأساوية، وهي تشبه العلاقة بشكل أو بآخر بعلاقة (يوليوس قيصر، ببروتس) على حد تصور هيكل. وتزاملا في الكلية الحربية، وعاشا فترة في السودان سوياً، وفي ليلة 23 يوليو 52 عندما كان (يوسف صديق) مع مجموعة من الضباط والجنود ينطلقون مخاطرين ويقتحمون قيادة الجيش ويستولون عليها كان جمال وعامر سوياً بملابسهما المدنية يراقبان الموقف من بعيد، وقد قيل ولا أدري عن مصداقية هذه الرواية أن أحد الجنود أسرهما، ولكنه عرفهما فيما بعد وأطلق سراحهما. المهم أن علاقتهما الوطيدة تلك استمرت، وكان عبد الناصر هو الذي أصر على ترقية عبد الحكيم من رتبة (صاغ) إلى رتبة (لواء) دفعة واحدة، ضارباً عرض الحائط بكل التقاليد العسكرية، وبكل استياء الضباط الأحرار الآخرين وسواهم من قدماء الضباط، وأعطاه فيما بعد رتبة (المشير)، تلك الرتبة (الرهيبة) التي لم يشاركه في نيل شرفها في ذلك الوقت غير (المشير السلال). وقد أوردت ذلك لتعرفوا فقط تقاليد العقليات العسكرية العربية، وبماذا وبمن كانت تقاد الجيوش. والآن اسمحوا لي أن أدع هيكل هو نفسه يروي ويتكلم عن عامر وناصر معاً: «عبد الحكيم عامر تعرض لحملة بعد السويس وجمال عبد الناصر كان بيتصور أنها حملة ظالمة لها جذور من أسباب سبقت سواء عند أعضاء مجلس قيادة الثورة القديم أو الرأي العام أو في محاولة تشكيك، وبالتالي في هذه الفترة أظن أعطاه سنداً قوياً». ومع ذلك ونكاية بكل هؤلاء، عينه نائباً لرئيس الجمهورية، ونائباً للقائد الأعلى، وحاكماً مطلقاً لسوريا في أيام الوحدة، ويمضي هيكل قائلاً: «لقد فشل فشلاً ذريعاً في سوريا ودليل هذا الفشل بصرف النظر عن أي حاجة ثانية هو أن من تآمر عليه هو مكتبه». والغريب أن هيكل تكلم مع عبد الناصر على حد زعمه في موضوع عبد الحكيم، غير أن ناصر دافع عن صديقه دفاعاً مستميتاً يعزوها للظروف. ويعلق هيكل متعجباً: يعني بجانب الأسباب العاطفية، يأتي بالظروف!! وهو يظن أن ذلك لأن ناصر يثق جداً بعامر، وعامر عنده إخلاص أعمى لناصر، لهذا عندما رجع من سوريا شبه مطرود، قال عنه عبد الناصر بالحرف الواحد: إنه مظلوم في الحرب النفسية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والتآمرية التي شنت عليه وعلى دولة الوحدة. وقد علق على ذلك الكاتب المعروف (لويس عوض) قائلاً : واحنا مالنا ومال العواطف بينهما. ولكي يرفع من معنوياته أعطاه الفرصة الثالثة لإدارة حرب اليمن، وجعله الآمر الناهي فيما يرسل من جنود وأسلحة وما يخوض هناك من معارك، وأصبح هو بدون مبالغة (إمام جديد) بلباس عسكري، إلى درجة أنه بأمر من عبد الناصر اعتقلوا وزراء من اليمن بمن فيهم رئيسهم (وزتّوهم) في سجون مصر لعدة أشهر. ويقول عنه هيكل في هذه المرحلة: «إن عبد الحكيم راح لليمن، وأنا أعتقد أنه أيضاً كان مظلوماً جداً، لأنه قائد عسكري فوجئ بما لم يكن مستعداً له «. ومع ذلك تمسك به وأعطاه الفرصة الرابعة في حرب 67. ومما يدعو إلى الضحك المؤلم أن ممن يحبون عبد الناصر حباً عاطفياً أعمى، ويريدون أن يأتوا له بالأعذار أو التبريرات حتى لو كانت (ساذجة)، فإنهم بعد الهزيمة الشنيعة في (يونيو)، وكيف أن عبد الناصر ترك له (الحبل على الغارب) لعبد الحكيم، قالوا في منتهى السذاجة: إن عبد الناصر كان مجبراً على ذلك لأن عامر كان متحكماً بالجيش ومراكز القوى منذ أوائل الستينات. كل هذا ليبعدوا تهمة التقصير عن عبد الناصر. ولكن اقرأوا ما يقوله هيكل: أنا ما نيش من نظرية إطلاقاً أن عبد الحكيم عامر عمل انقلاباً أبيض في سنة 1961 و 1962 وأنه استولى على الجيش وأنا عارف أن في بعض الناس بيقولوها وحتى من غلاة الناصريين حتى يبرئوا جمال عبد الناصر ولكن أنا أعتقد أنهم بهذه الطريقة هم بيلقوا على جمال عبد الناصر مسؤولية أكبر من هذا، لأنه إذا سمح لنفسه أن يدخل في قرار سياسي يؤدي إلى معركة وهو على خلاف مع قائد جيشه، وجيشه استطاع أو قائد جيشه استطاع أن يقوم بانقلاب أبيض وأن يستقل بالجيش إذن فهذه مسألة خطيرة. وهو افتئات على كل الأطراف وأولهم عبد الناصر، ولو أن هذا حصل فكيف يقبل أن يدخل في مغامرة حربية وليس له سيطرة على القوات المسلحة، بل أن بعضهم قالوا إن عبد الناصر كان مغلوباً على أمره في الجيش وهذا كلام غير معقول، وهو يسيئ له أكثر مما يسيئ لعبد الحكيم. وأنور السادات شال الفريق (صادق) وسط الحرب دون أي تردد. كما أن حسني مبارك شال أبو غزالة وكان أقوى في الجيش بعشر مرّات من عبد الحكيم في وقته، وكان عبد الناصر في ذلك الوقت هو البطل المشهود في العالم العربي كله، ويستطيع أن يشيل أي قائد عسكري من أي كلفة، كما أنه أمام عامر ليس أضعف من مبارك أمام أبو غزالة. وكلام هيكل صحيح لأن شعبية ناصر قد وصلت إلى درجة خرافية قبل أيام من الحرب، ولو أنه أراد في ذلك الحين أن يشيل جميع قادة وضباط الجيش بما فيهم عامر، فلن يقول له أحد: (ثلث الثلاثة كم)؟!، بل إن الجماهير سوف تخرج في الشوارع وهي ترقص وتهتف قائلة: (بالروح بالدم نفديك يا جمال). وإذا أردنا أن نعرف ما جرى في 67 فعلينا أن نعرف ما جرى في 56 وكلامي هذا ذكرني بكلام الممثل (حسني البرزان) عندما قال في إحدى التمثيليات: إذا أردنا أن نعرف ماذا يجري في إيطاليا فعلينا أن نعرف ما يجري في البرازيل. لهذا لابد وأن نعرّج ونتحدث عن ما يسمّى (بالعدوان الثلاثي) أي بحرب السويس عام 1956، تلك الحرب التي قال عنها هيكل بكل واقعية: «أنا مرّات في أحد يقول لي (السويس) هزيمة، فيرد أحدهم وهو أكثر رقة ويقول: السويس هزيمة عسكرية ولكنها انتصار سياسي. ولكنني أقول: إن الطريقة التي انتهت بها معركة 56 هي التي مهدت الطريق إلى سنة 67 ويلمح هيكل إلى أن عبد الناصر لم يكن يتمتع (بالصبر التاريخي) كما فعلت الصين على حد تعبيره ومعه الحق في ذلك، فالصين كان بينها وبين بريطانيا اتفاقية على أن تخرج من (هونغ كونغ) بعد مائة سنة، وطوال تلك المدة صبرت ولم تستفز بريطانيا إلى أن انتهت المدة، وعادت هونغ كونغ إلى الصين كاملة غير منقوصة، بل بالعكس عادت لها وكلها ناطحات سحاب وبنوك وحضارة. بينما مصر أو بمعنى أصح حكام مصر لو أنهم صبروا قليلاً وقد مضى عليهم صابرين (92) عاماً ولم يتبق غير ثمانية أعوام فقط وتعود لهم قناة السويس دون قتال، ولكن عبد الناصر في ساعة تجلّ أبى إلاّ أن يؤمم قناة السويس، وقال كلمته المشهورة متحدياً بريطانيا وفرنسا: اللي مش عاجبه يشرب البحر الأبيض، وإن ما كفاه يزيد عليه البحر الأحمر. وإن العقل ليحار والله في (فرد العضلات) هذه التي لم يكن لها أي داع؟! أيهما أكثر تناقضا وكراهية لدول الغرب (ماو تسي تونغ) أم عبد الناصر؟! أيهما أغنى وأقوى الصين أم مصر؟! فلماذا لم يورط (ماو) نفسه في حرب؟!، هل لأنه يتحلّى بالصبر التاريخي الذي ذكره هيكل؟!، جايز، ولو أن ناصر تحلّى (بربع) ذلك الصبر، لما أغلقت قناة السويس أكثر من ثماني سنوات التي كانت سوف تعود إليه دون طلقة رصاصة واحدة، ولما ضاع منه دخلها طوال تلك السنوات، ولما (شفطت) واستغلت إسرائيل بترول سيناء ما لا يقل عن عشرة أعوام، ولما كان هناك قوات أمم متحدة على الحدود، ولما أخذت السفن الإسرائيلية (تسرح وتمرح) في مضيق العقبة بعدما كانت محرومة منه. ويقول هيكل بما معناه: «إن (تأميم قناة السويس) اتخذت ذريعة لشن الحرب على إسرائيل»، بل إن صلاح أو جمال سالم لا أذكر كان أكثر صراحة من هيكل عندما قال لناصر: «أنا كنت معك في بعض المواقف، ولكن الطريقة التي تصرفت بها استفززت قوى أكثر مما نستطيع أن نواجهها». وما أن بدأت الحرب حتى أصدر عبد الناصر قراره الشهير (بالانسحاب) من سيناء، وهو القرار الذي اعتبره بعض المطبّلين هو قمة (العبقرية العسكرية)، وهو الذي أصبح ناصر يفاخر به دائماً، وهو القرار الذي أصبح (عقدته) المستحكمة، مثلما سنعرف ذلك من هيكل شخصياً وهو الملازم له أكثر من أي إنسان آخر. ولكن هل يا ترى تحلّى عبد الناصر فيما بعد، وبعد أن انقشع غبار المعركة، هل تعلّم وتحلّى (بالصبر التاريخي) الذي ذكره هيكل؟! ويبدو لأول وهلة أنه تعلم الدرس فعلاً، لأنه بعد ذلك في قمة عربية قال: إننا لا نستطيع أن نفشل لأن الفشل يُضيّع قضية فلسطين أبداً والفشل يُضيّع قيمة القوى العربية والفشل يؤثر على كل دولة عربية والفشل يفقد الجماهير العربية ثقتها وهذا الفشل يجعل من إسرائيل قوة أسطورية غازية بلا مبرر. غير أن هيكل يتشكك وينتقد بأسلوب مبطن الطريقة التي أديرت بها حرب 56 عندما يقول: « إن التعبئة العاطفية والتعبئة النفسية وهذا الفوران الذي نراه ليس سلاحاً في الحرب بالعكس قد يكون ضد فكرة الحرب لأن أسوأ شيء في الحرب أن الناس تأخذها العاطفة تأخذها العواطف وتنسيها الحسابات، وباستمرار أنا كنت بأتصور أن أكثر ما يعمي ويضل هو ثورة العاطفة قدام ضرورة مسؤولية تصل فيها الأمور إلى نار ودم. ونستكمل غداً، والله المستعان. في الحلقة المقبلة * القيادة المصرية ركبت رأسها وصعّدت الأمور وهي لا تملك وسائل النصر. * الجيش المصري وجد نفسه طرفاً في معركة في اليمن لم يتهيأ لها. * هناك جبهة مفتوحة في اليمن، فكيف نفتح جبهة ثانية في سيناء؟ مشاورات بين عبد الناصر وعامر