بعد بروكسل وقبلها، قبل إسطنبول وأنقرة وبعدها، مع أحداث باريس وفي خضمّها، ما يحدث في سوريا والعراق ومصر والخليج، هي ذات الكلمات التي نجابه بها الإرهاب والقتل الأعمى وحملات تلويث الدين بملوثي الألسنة واليدين. هي تحمل وصفاً واحداً: عمليات قتلٍ غادرة، قذرة، لا تصدر إلا من مجرمٍ تغلغل الإجرام في دمه، ولا تستهوي إلا مريضاً في نفسه أو عقله، يحول بينه وبين التعبير عن هواه الخوف من مطارق القانون. دعكم ممن يقتلون أنفسهم أو هم في الطريق إلى ذلك، هؤلاء يبدو أن عقولهم قد غسلت، وقيمهم الدينية والأخلاقية قد مسخت لتكون نفوس هؤلاء طيعةً في يدِ من يوجهها حيث يشاء إلى حيث القتل والدمار لمصلحة سيدٍ ما ينتظر المكاسب في لحظةٍ ما، دعكم من هؤلاء؛ فلمثل هؤلاء السيف أصدق أنباءً من الكتب، ما يجب أن تلتفتوا إليه كمختصين ومهتمين هم من لديهم الاستعداد النفسي والذهني ليكونوا في يد أمثال هذه المنظمات المتشددة التي تستخدم الدين غطاء والقتل وسيلة لتنفيذ غاياتها. ثمة سؤال يمكن له أن يقتل فكرة التطرف أو يحشرها في الزاوية على الأقل لتكف عن ادعاءاتها على لسان معتنقيها بأنها خير من يمثل الدين وأنها خير علاج لمشكلات الأمة ومعضلاتها، عبر استهداف الأبرياء، ولا نقصد بالطبع حق المقاومة المشروع. يقوم التطرف على فكرة نبذ المخالف سواء بالإقصاء أو بالقتل على مستوى أعلى أو حتى التسبب بقتله ولو كان في قتله قتل عشرات المتفقين، وهذا أقصى حالات التطرف، على اعتبار أن المخالف مستحق للعقوبة الأبدية في الحياة الآخرة، فلا بأس من قتله في هذه الحياة القصيرة، وهو مفهوم متناقض على المستوى النفسي والذهني؛ إذ كيف تجمع كمتطرف بين تصديقك وإيمانك الكامل بالعذاب الدائم الموعود على هذا المخالف ثم تجد في نفسك القدرة على الحقد الكافي لقتله، إما أنك لم تصدق هذا الوعيد وإما أنك من السوء والظلم في أن تجمع عقوبتين على هذا المخالف. المؤمن الحقيقي هو الذي يحمل أخلاق الرسل، وتنطوي نفسه شفقة على كل أحد، ويتألم أن تذهب نفس مخالفة بالموت دون أن تبصر الحق وتذوق طعم الإيمان.