المرور إحدى الركائز الرئيسية لقيام النظام، بل هو ضرورة من ضروراته، إذ لا يتحقق تنظيم السير لأي مركبة إلا من خلاله، وهو نظام مركَّب، يعتمد على وعي المواطن من جهة، ودعم رجل المرور من جهة أخرى، ورجل المرور موكَّل إليه فك الاختناقات المرورية، والقيام بكل ما يتعلق بالسير من أجل المحافظة على سلامة وخدمة جميع أفراد المجتمع، ولا يكون ذلك إلا إذا ساهم في وقف هذا النزف في الأرواح، والهدر في الممتلكات. ومرورنا العزيز في الطائف «المأنوس» أحياناً لا يراعي الضيف لا في شتاءٍ ولا في صيفٍ بدليل أن عدد المتسولين أكثر بكثير من عدد رجال المرور عند الإشارات! وإذا كان النقد «عافية»، فمن حقنا أن نتساءل عن جوهر الوظيفة المرورية إذا كان معظم الأعمال، و«التكاليف»، تقوم بها بدلاً عنهم شركات مثل: تعليم القيادة للرخص، ونجم للحوادث، وشركات التأمين، والفحص الدوري، وحتى الأعمال المكتبية أضحت ضمن مسؤولية الحكومة الإلكترونية. لقد برزت في السنوات الأخيرة ملامح زيادةٍ في عدد السيارات مع بطء نمو المشاريع، بالتزامن مع عمليات الحفر والدفن المستمرة حتى أصبح لدى معظم الناس قناعة بأن الخطط المرورية في مواجهة مثل هذه التحديات ليست بالمستوى المأمول، وقد يكون هذا الأمر مقبولاً في دولة فقيرة الموارد، لكنه مرفوض في بلادنا، التي تنعم بالخيرات في ظل هذا الإنفاق الضخم من حكومتنا السخية، ولهذا فإن الحل لا يتأتَّى من منظور آنيٍّ، كما هو حاصل اليوم مثل: فصل شوارع، أو إغلاق أخرى، وتغيير اتجاه شوارع من خلال مطبات صناعية، أو صبات إسمنتية، تفتقر إلى أدنى وسائل السلامة، وتحويلات ترابية تبعث على التذمر، وتؤدي إلى ارتفاع الضغط والسكر، وسرعة الانفعالات، التي قد تصل أحياناً إلى درجة العدوانية! لقد كان الأَوْلى التوسع في إنشاء الجسور والأنفاق حسب المواقع، وكذلك نشر ضباط وأفراد قسم السير مع آلياتهم بشكل مستمر في المناطق المزدحمة، خصوصاً في أوقات الذروة بدلاً من الجلوس أمام الشاشات، لأجل فرض الهيبة المرورية مهما كانت درجة قسوتها، وفرض ثقافة الوعي بغض النظر عن عمر قائد المركبة. لقد بلغ السيل الزبى من تلك الممارسات الخاطئة، بالذات من أولئك الذين يأتون من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، أو العكس، ومن الذين يتجاوزون العلامات وخطوط المشاة، أو يقفون بصورة مخالفة، كما أن هناك بعض المشاهدات «الفجة» لسيارات ذات تظليل، أو أنوار ومنبِّهات مزعجة، خاصة ليلاً، أضف إلى ذلك تراكم سيارات مهملة وتالفة، أو مسروقة، تُشكِّل خطراً في الميادين، وعلى الأرصفة، وسيارات أخرى للعمالة مهترئة، وملوِّثة للبيئة، و«دبابات» يقودها مراهقون، وصغار سن متهورون، وغيرها، والأخطر من ذلك تفاقم مخالفة قطع الإشارات، والسير عكس الشارع، طالما أنهم أمنوا العقوبة. خلاصة القول: إن الشفافية لا تفسد للود قضية، ونحن إذ نقدم الشكر إلى مقام وزارة الداخلية، التي اقترحت «المرور السري»، فإننا في الوقت نفسه نؤكد أننا سئمنا من رؤية ذلك الحضور الفاعل، الذي لا يظهر إلا في المناسبات، أو عند زيارة مسؤول ما مثل الذي حدث مؤخراً أثناء زيارة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، يحفظه الله.