هم أولئك الذين اختطفوا – في أيامنا هذه – لقب: «الوعّاظ» إذ تشبّعوا بما لَم يُعطوا في حين أنّ الوعظ – على الحقيقة – هو: المهمة الكبرى التي اضطلع بها الأنبياءُ – عليهم السلام – ابتغاء تبليغهم رسالة ربهم تعالى.. كما أنّ الوعظ مصطلحٌ قُرانيٌّ يشي بدلالاتٍ تنويريّةٍ (إيمانيّةٍ) جعلت من الوعظ نفسه الصفة التي نعت الله تعالى بها فعله ووصف بها كتابه وأوصى بها نبيّه محمد – صلى الله عليه وآله وسلم- فالوعظ إذن أجلّ من أن ينتقص قدره وحاشانا ذلك.. بينما مَن يُعرفون اليوم ب: «الوعّاظ» – إذ نتحدّث عن الغالب – فهم أولئك الذين عرفهم السلف قبلاً بكونهم: «القًصّاص» ممن لا يتوافرون بالمرّة على الصفات التي من شأنها أن تؤهلهم للقيام بمهمة: «الوعظ/ الراشد» إذ يفتقرون للعلم ويعوزهم الفقه فيما العقل أوشك أن يكون من خلال خطابهم مُغيّباً.. أحسبك الآن قد عرفتهم.. فهم أولئك الذين تمتليءُ بهم بعض: «مساجدنا» ممن لا يُعنون بفقه: «التّخول» كما كان هديه – صلى الله عليه وآله وسلم- ومنهم طائفةٌ دأبوا على إحياء لياليهم ب: «الفضائيات» فلا تفتأ أن تراهم بكرةً وأصيلاً.. وفئةٌ منهم لا تفوّت مكان فرحٍ أو ترحٍ إلا قصدته ابتغاء: «الدعوة» زعموا ذلك ومن تحقٌّق من خطابهم: «الوعظي» تبيّن له أنّ عمود فقار وعظهم – نقولها عنهم تجاوزاً – لا يعدو أن يكون قَصصاً وحكايات غرائبية وجملة من سوق أحاديث لا خطام لها ولا زمام وإشاعةٍ في الناس ل: رؤىً ومناماتٍ ظاهرة الصّنعة والتّحلّم… وتبشيرٍ ب: «النصر» مع عدم التوافر على شروطه بحكاياتٍ وخرافاتٍ ما أنزل الله بها من سلطان.. و..و.. هؤلاء إذن هم: «القُصّاص»… وفي وعّاظ اليوم كثير منهم ولسنا نجد أدنى حرجٍ في المطالبة ب: «إخراجهم من المساجد» ومن سواها من باب أولى.. ولئن فعلنا ذلك فإنما نحن نقتفي أثر: «السلف الصالح» الذي كانت لهم سابقة: «التحذير» من هؤلاء على نحو متواترٍ.. ولعلي أن أجعلَ المساحة المتبقية نقولاً عمن سبقوا بإحسانٍ وأدركوا ضُرّ هؤلاء وخطورتهم على العامة وليس الغالب من الناس إلا: «عامةً»!! وعلى أي حالٍ فإنّ: «السلفَ» قد عرفوا حالهم عن كثب فحكموا عليهم بما يلي: * قال الدارقطني في مقدمة «كتاب الضعفاء والمتروكين»: (توعد – صلى الله عليه و سلم – بالنار من كذب عليه بعد أمره بالتبليغ عنه، ففي ذلك دليل على أنه إنما أمر أن يبلغ عنه الصحيح دون السقيم والحق دون الباطل لا أن يبلغ عنه جميع ما روى لأنه قال- صلى الله عليه وسلم- «كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع» أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة..) * ذكر مسلم في خطبة صحيحه قول النبي – صلى الله عليه وآله وسلم- «سيكون في آخر الزمان أناس من أمتي يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم» من حديث أبي هريرة وهو صحيح على شرط الشيخين * قال الحافظ زين الدين العراقي في كتابه المسمى ب [الباعث على الخلاص من حوادث القُصَّاص] «ثم إنهم – يعني القُصَّاص – ينقلون حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من غير معرفة بالصحيح والسقيم قال: وإن اتفق أنه نقل حديثاً صحيحاً كان آثماً في ذلك؛ لأنه ينقل مالا علم له به وإن صادف الواقع كان آثماً بإقدامه على ما لا يعلم». * روى الطبراني عن خبَّاب بن الأرت – رضي الله عنه- عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال «إن بني إسرائيل لما هلكوا قصُّوا» قال: فأشار عمر إلى تميم أنه الذبح لما يخشى عليه من الترفع عليهم والإعجاب بنفسه. * وروى الطبراني، عن عمروبن زرارة قال: وقف عليَّ عبدالله بن مسعود وأنا أقص، فقال: (ياعمرو لقد ابتدعت بدعة ضلالة أو إنك لأهدى من محمد – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه). فقال عمرو بن زرارة: فلقد رأيتهم تفرقوا عني حتى رأيت مكاني ما فيه أحد. * وأخرج ابن ماجه و ابن أبي شيبة والمروزي عن ابن عمر قال: «لم يقص على عهد النبي – صلى الله عليه وآله و سلم – ولا عهد أبي بكر ولا عهد عمر ولا عهد عثمان، إنما كان القصص حيث كانت الفتنة» * وأخرج المروزي عن سالم أن ابن عمر كان يُلقَى خارجاً من المسجد فيقول «ما أخرجني إلا صوت قاصكم هذا». * مرّ علي بن أبي طالب برجل يقص فقال: أعرفت الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا، قال هلكت وأهلكت. وأخرج أحمد في (الزهد) عن أبي المليح قال: ذكر ميمون القصَّاص فقال: لا يخطئ القاص ثلاثاً: إمَّا أن يُسَمّنَ قوله بما يهزل دينه، وإمَّا أن يُعْجبَ بنفسه، وإمَّا أن يَأمُر بما لا يفعل . * قال ابن الحاج في (المدخل)» مجلس العلم..المجلس الذي يذكر فيه الحلال والحرام واتباع السلف لا مجالس القصَّاص فإن ذلك بدعة. وقد سئل مالك عن الجلوس إلى القصَّاص فقال: «ما أرى أن يجلس إليهم وإن القصص لبدعة» * عن جرير بن حازم قال: سأل رجل محمد بن سيرين عن القصص فقال: بدعة إن أول ما أحدث الحرورية القصص – والحرورية هم الخوارج. * وعن عاصم بن بهدلة قال: كنا نأتي أباعبدالرحمن السلمي ونحن غلمة أيفاع، فيقول: لا تجالسوا القصاص. * أخرج الخطيب في (تاريخه) عن جعفر الخلدي قال: سمعت الجنيد يحكي عن الخوَاص أنه قال: «سمعت بضعة عشر من مشايخ الصنعة أهل الورع والدين والتمييز وترك الطمع، كلهم مجمعون على أن القصص في الأصل بدعة». * وأخرج ابن أبي شيبة أن ابن عمر رأى قاصًا يقص في المسجد، فوجه لصاحب الشرطة: أن أخرجه من المسجد. فأخرجه.. * والحافظ الذهبي أبان عن رأيه النقدي جرحاً في شأن القصاص ذلك أنه إذا ما جاء على ذكر أحد منهم في (الميزان) وفي غير قال: (قصاص. ليس يعتمد عليه. تركه غير واحد). * ونقل الذهبي وغيره قول أبي إدريس: لأن أرى في ناحية المسجد ناراً تأجَج أحب إليَ من أن أرى في ناحيته قاصًا يقص.