شعرت بالحرج الشديد من كلامه وهو يروي لي قصة الاعتداء عليه في الليلة الماضية. توقّف ليساعد بعض الشباب السعوديين على جانب الطريق وهم يشيرون للسيارات العابرة طلباً للمساعدة، فإذا بهم يبصقون عليه ثم ينفجرون من الضحك ويهربون، بينما بقي هو في حالة صدمة مما حدث، ومن الشعور بالإهانة، ويسأل نفسه: لماذا ولأي ذنب؟هذا ما أخبرني به زميلي المهندس الهندي الجنسية الذي يعمل معي في مدينة الخُبر وعلامات الحنق والاستفهام تملأ وجهه، قلت له أرجوك أن لا تعتبر هذه الحادثة النادرة نموذجاً عن السعوديين، لكن الزملاء الذين كانوا معنا من جنسيات آسيوية، قالوا إنها ليست حادثة نادرة فهم كذلك قد تعرّضوا لمواقف مشابهة!قال أحدهم إنه كان يعمل في الرياض منذ سنوات، وكان ذات يوم يسير على قدميه في الشارع متجهاً إلى بيته، فاقتربت منه سيارة يقودها شابان سعوديان، حاولا دهسه، وتفاداهما بصعوبة، وبينما هو يحاول أن يستوعب الموقف، عادا وحاولا إلصاقه بالجدار، حتى بدأ بالركض لينجو بحياته، وقال إنّه لا يزال لا يدري لماذا تعرّض لمحاولة اغتيال في الرياض مع أنه شخص عادي يعمل مهندساً في شركة خاصة، فقط وكمحاولة أخيرة مني للدفاع قلت إن بعض المراهقين والشباب للأسف لم يتلقوا تربية جيدة، وربما يفعلون هذا من قبيل العبث فقط، ولا داعي للتعميم، فأجابني: «المسألة تتخطى التربية، هناك خطأ في القيم التي تُغرس فيهم منذ طفولتهم، ماذا تُعلّمون أولادكم في المدارس؟!»قلت ربما النزعة المتخلفة لدى بعضنا التي تحتقر الإنسان المختلف عنا في لونه ودينه، بالذات إذا كان قد جاء من دولة فقيرة طلباً للرزق في بلد البترول.نضيف على ذلك نظرات البعض الغاضبة لهؤلاء الأجانب على اعتبار أنهم جاؤوا لبلادنا ليأخذوا خيراتها وينافسونا على الوظائف، مع أن الشركات الوطنية الكبيرة هي التي تستقدمهم، وبدعم وتنظيم من الدولة.وأظن أنّ السبب الرئيسي في هذه الحالة هو الفهم الخاطئ ل(تفضيل المسلم على غير المسلم) الذي يتركّز في حصة التوحيد في المدرسة.ونحن كمسلمين لا شك نعتقد أن ديننا الحنيف هو الدين الصحيح فالله سبحانه وتعالى يقول: «إن الدين عند الله الإسلام» (آل عمران: 19)، ولكن علينا أن نستوعب كذلك أن المسيحي يعتقد أن دينه هو الدين الصحيح أيضاً، والهندوسي يعتقد أن دينه هو الدين الصحيح، والبوذي كذلك، وغيرهم.ولا يلام أحد في هذا فهي طبيعة بشرية حتى لو ورثوا دينهم عن آبائهم بدون تفكير. ولسنا نحن من نحاسب الناس على معتقداتهم، بل حسابنا وحسابهم عند الله يوم القيامة، وهذا ما يؤكده القرآن الكريم في قوله تعالى: «إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون» (الزمر: 3). يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: «أي سيفصل بين الخلائق يوم معادهم، ويجزي كل عاملٍ بعمله.» (تفسير ابن كثير).التركيز على مبدأ (تفضيل المسلم على غير المسلم) كان كبيراً وفي مراحل دراسية مختلفة، وربما يفهمه البعض بطريقة تتعارض مع قول الله عز وجل: «ولقد كرمنا بني آدم»، وقوله: «وفضلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلا» (الإسراء: 70). فالتكريم والتفضيل هنا لبني آدم بشكل عام وليس للمسلمين فقط، وبدون تمييز على أساس الدين أو العِرق. لكن سوء الفهم لقيمنا الإسلامية يشوه الصورة، ويجعل الناشئة يعتقدون أنهم أرقى ممن يختلفون معهم في الدين أو المذهب.فبينما نرى الدين الإسلامي يحترم الإنسان من أجل إنسانيته وليس من أجل دينه أو مذهبه، نرى التطبيق للأسف مختلفاً جداً في واقعنا المعاصر. فما الفائدة إذا لم نعلم الأطفال أن هناك آراء فقهية كثيرة مختلفة ولها احترامها، حتى لا تكون النتيجة أن الطفل يكبر وهو يظن أن للحقيقة وجها واحدا، ومن له رأي آخر فهو مخطئ وضال، بل كافر أيضاً وما له ودمه حلال! هل خرج إرهابيون من بلادنا لسبب غير هذا؟