تسارعت التحركات السياسية في بيروت في محاولةٍ لوضع حدِّ لتسلُّط حزب الله على مؤسسات الدولة؛ بعد القرار السعودي بوقف المساعدات الموجَّهة إلى الجيش والأمن اللبنانيَّين. ودعا رئيس الوزراء الأسبق، سعد الحريري، الحكومة إلى التحرك في اتجاه المملكة، مُحمِّلاً حزب الله والتيار الوطني الحر المسؤولية عن توقُّف المساعدات. في الوقت نفسه؛ عدَّ مفتي الجمهورية، الشيخ عبداللطيف دريان، غالبية مواطنيه أهلَ وفاءٍ للمملكة والإمارات وسائر دول الخليج «لأن مواقفنا داعمةٌ لمن وقف معنا في أزماتنا». ووصف الحريري، الذي التقى دريان مرَّتين أمس في دار الفتوى وبيت الوسط، المواقف اللبنانية التي اتُخِذَت ضد المملكة في موضوع الاعتداء على سفارتها وقنصليتها لدى إيران بموقف غير عربي وغير مفهوم. وشدَّد في تصريحاتٍ بعد لقاء دار الفتوى «يجب تصحيح هذا الشيء لأن المملكة كانت دائماً فاعل خير، وكانت تقوم دائماً بكل محبَّة بمساعدة لبنان، ولم تكن تطلب شيئاً من اللبنانيين إلا إصلاح لبنان». ودعا ساسة بلاده إلى «أن نتكاتف قليلاً ونحاول إيجاد حل لهذا الموضوع»، مُكرِّراً «مما لا شك فيه أن الكلام الصادر عن المنابر إن كان من حزب الله أو من آخرين في اتجاه المملكة هو كلام مرفوض، وهؤلاء لا يمثلون لبنان أو السياسة اللبنانية، ونحن تحدثنا مع مفتي الجمهورية في هذا الموضوع». وأبلغ الحريري الصحفيين بقوله «نحن نقوم باتصالاتنا في هذا الشأن، واليوم هناك إجماعٌ عربي (..) وما يفعله وزير الخارجية، جبران باسيل، لا يريد أن يسير بالإجماع العربي، فمن المؤسف أننا وصلنا إلى هذا الشيء، بالنسبة لنا يجب أن يكون موقف لبنان مع الإجماع العربي». وتابع «أن يحصل ما حصل للمملكة العربية السعودية وبعدها نقول والله ما ذنبنا .. لا؛ هو ذنبنا»، مبدياً دهشته من عدم إدانة باسيل الاعتداءات على سفارة المملكة في حين استنكرها المرشد الإيراني. في الوقت نفسه؛ أفاد المفتي دريان بتعويله كثيراً على رئيس الوزراء الأسبق لإعادة ترتيب العلاقة السعودية اللبنانية. وخاطبه خلال لقاءٍ في بيت الوسط ضمَّ أعضاء المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى وعدداً من الساسة «نحن نعوِّل عليك كثيراً في إعادة ترتيب هذه العلاقة، فأنت الأجدى لتصحيح هذه العلاقات، لأن المسلمين السنَّة في لبنان وغالبية اللبنانيين هم أهل الوفاء للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات وسائر دول الخليج». وأكمل «نحن معكم يا دولة الرئيس لتوصِلوا هذه الرسالة إلى المملكة من أعلى مجلس في الطائفة السنية لأن مواقفنا هي مواقف داعمة لمن وقف معنا في أزماتنا». في سياقٍ متصل؛ اعتبرت الكتلة النيابية لتيار المستقبل، بعد اجتماعٍ طارئ لها أمس برئاسة فؤاد السنيورة، القرار السعودي سيادياً و«لا يمكننا إلا احترامه». وندَّدت، في بيانٍ صحفي لها تلاه النائب عمار حوري، باستهانة وزير الخارجية باسيل واستخفافه بالمصلحة الوطنية. واتهمته بالتنكُّر لتاريخ السياسة الخارجية المعتمدة والمستقرة في البلاد و«التي تستند على أساس الانتماء العربي وعلاقات الأخوة»، معتبرةً أن ما ارتكبته الوزارة مسَّ بدايةً بعروبة البلاد وانتمائها الحاسم إلى العالم العربي بالمخالفة لما ورد في وثيقة الوفاق الوطني والدستور. وذكَّر البيان بما ورد في البيان الوزاري للحكومة، الذي نالت الثقة على أساسه، من تنصيصٍ على «عدم تعريض لقمة عيش اللبنانيين للخطر». ولفت أيضاً إلى ما ورد في الفقرة ال 12 لإعلان بعبدا 2012 من تنصيصٍ على وجوب الالتزام بقرارات الإجماع العربي «وهو الإعلان الذي عادت هذه الحكومة وأكدت الالتزام به في بيانها الوزاري». واعتبر النائب عمار حوري أن الوزير باسيل ارتكب خطيئةً أولى في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة وخلَط بين قرار المجتمعين وبيانهم ثم ارتكب خطيئة أكبر في اجتماع وزراء خارجية الدول الإسلامية في جدة حينما خرج عن الإجماعين العربي والإسلامي وعرَّض مصالح البلاد إلى الخطر الشديد و»قبل ذلك وبعده؛ تصرفت الخارجية وكأنها ملحَقة بمكتب العلاقات الخارجية لحزب الله وإيران». وأشار حوري إلى عمل حزب الله على تعطيل الهبتين السعوديتين للجيش وقوى الأمن الداخلي منذ الإعلان عنهما. واتهم قيادات الحزب بالاستهانة وسوء التقدير واللجوء إلى تصرفات غير مسؤولة وحملات إعلامية غير أخلاقية وتهجُّم مسفّ ضد المملكة وضد علاقات البلاد الأخوية مع دول الخليج والعرب قاطبةً ما «تسبَّب في الأزمة التي وصلنا إليها وأدى إلى التفريط في مصالح اللبنانيين في العالم نتيجة تهور الحزب ومغامراته غير المسؤولة والبعيدة عن مصالح البلاد». ووفقاً لبيانها الصحفي؛ طالبت كتلة «المستقبل» الحكومة بالعودة الفورية إلى الالتزام بالبيان الوزاري الذي نالت الثقة على أساسه وبالالتزام بالإجماع العربي «ليكون هذا الأمر ثابتاً وغير خاضعٍ لأهواء وزير الخارجية أو ضغوطات حزب الله». وحثَّت الكتلة الحكومة على الاجتماع الفوري وإبقاء جلساتها مفتوحة وإرسال وفدٍ على أعلى المستويات إلى المملكة لمعالجة هذه الأزمة الخطيرة. ورأى حوري أن «الأمانة الأخلاقية والوطنية تقتضيان منَّا جميعاً أن نعبِّر عن التقدير والشكر للمملكة لكل ما قدمته على مدى زمن طويل جداً .. بدءًا من الدور التاريخي في إنجاز وثيقة الوفاق الوطني في الطائف مروراً بإعانة لبنان في أزماته التي مر ويمر بها منذ عام 1975». وذكَّر بأن المملكة فتحت أبوابها على مصراعيها أمام اللبنانيين وقدمت دعمها غير المحدود لتمكين بلادهم من الصمود في وجه كل الاعتداءات الإسرائيلية وقدمت الإسهام الأكبر في إعادة الإعمار خصوصاً في الجنوب والضاحية الجنوبية دون أي تفرقة أو تمييز «كما كانت سياستها تعتمد دائماً التضامن والمؤازرة للبنان؛ وهو ما اتخذ أشكالاً مختلفة سياسية ودبلوماسية ومالية وإنسانية واستراتيجية». ولاحظ النائب أن الدعم السعودي كان دائماً كريماً ومقدَّماً حصراً إلى الدولة اللبنانية لتمكينها من تفعيل أجهزتها الإدارية ومساعدتها في فرض سلطتها على كل أراضيها عبر الجيش والقوى الأمنية. وأبان إجمالاً أن الدعم السعودي تمثَّل دائماً في حماية استقرار لبنان اقتصادياً ومالياً ونقدياً «وخير مثال على ذلك تجلَّى بما قامت به المملكة في مؤتمرات باريس 1 و2 و3 وفي كل مناسبة كانت البلاد في حاجة إلى دعمٍ فيها». وتمنَّت الكتلة على المملكة أن تعيد النظر في قرارها، مؤكدةً أن مكانتها و»مكانة الشعب السعودي راسخةٌ لدى الكثرة الكاثرة من اللبنانيين في الأعماق بعيداً عن محاولات القلة المتنكرة للأخلاق والوفاء والانتماء والتي تحاول التأثير على هذه العلاقات الراسخة». بدوره؛ قال عضو كتلة حزب «القوات اللبنانية»، النائب شانت جنجنيان، إن العلاقات الأخوية بين لبنان والمملكة «لن تهتز مهما حاولت الأيادي السود طعنها» و»لن يضيرها شتم المتفرعنين لها أصحاب المصالح المذهبية والإقليمية». وكتب على حسابه في موقع «تويتر» أن «القرار السعودي وإن قضى بوقف المساعدات للجيش اللبناني؛ إلا أن السعودية لن تترك لبنان فريسة للطامعين به والساعين لإخراجه عن الإجماع العربي»، مبيِّناً أن «على الحكومة اللبنانية الإسراع في اتخاذ ما يلزم من إجراءات لوقف التحامل على المملكة وقطع الطريق على المتربصين شرَّاً باللبنانيين العاملين في الخليج». وتمنَّى جنجنيان الفصل بين الشرعية اللبنانية وحزب مسلح خارج عن طوعها ومغتصب لإرادتها وإرادة اللبنانيين.