هل سيؤدي توتر العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران إلى منعطف المواجهة المباشرة بين أتباع المذهبين السني والشيعي؟ هذا السؤال تردد كثيراً في ثنايا التحليلات والدراسات الغربية مؤخراً، بعد إعلان الرياض قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، رداً على الاعتداءات الهمجية التي وقعت على بعثاتها الدبلوماسية تحت أنظار قوات الأمن الإيرانية، وبرعاية من قوات الباسيج. كان البيان الذي أصدرته المملكة بعد الاعتداءات مباشرة واضحاً وحاسماً في كل تفاصيله، حيث أشار إلى خرق المعاهدات والمواثيق الدولية من جانب النظام الإيراني، الذي لديه سجل حافل بالاعتداءات على البعثات الدبلوماسية منذ بداية الثورة الخمينية المشؤومة في عام 1979م، عندما اقتحم الإيرانيون سفارة الولاياتالمتحدةالأمريكية واحتجزوا أعضاء البعثة الدبلوماسية كرهائن، في تجاوز صارخ لما نصت عليه اتفاقية فيينا لحماية الدبلوماسيين والبعثات الدبلوماسية، ومروراً بالاعتداء الهمجي على البعثة البريطانية في طهران عام 2011م. هذا التاريخ الحافل بردود الأفعال غير المسؤولة، يبرهن على أن قادة النظام الإيراني يفكرون بعقلية العصابات التي دائماً ما تكون تحت تأثير شهوة الانتقام، حين تقتص يد العدالة منها أو من أحد أفرادها المجرمين دون أن تفكر في العواقب الوخيمة التي ستلحق بها جراء اندفاعها وتهورها في استهداف الآخرين، بل إن درجة الوقاحة بلغت بهذا النظام العدواني إلى أن يتدخل بشكل سافر في الشؤون الداخلية لدول الجوار، متخذاً من المذهب وسيلة لتجييش السذج والمغفلين العرب لإحداث الفوضى والبلبلة داخل مجتمعاتهم. وعوداً على سؤال المقدمة حول احتمالية انعكاس التوتر على الأتباع، أرى أن ذلك الاحتمال مستبعد تماماً لعدة أسباب، أولاً، إن طبيعة الصراع بين المملكة العربية السعودية وإيران لم تكن في يوم من الأيام ذات صبغة مذهبية على الإطلاق، حتى لو تظاهر الساسة الإيرانيون بأنهم قادة المذهب الشيعي في العالم الإسلامي، وبأنهم المدافعون عن حقوق الأقليات الشيعية في الوطن العربي، فالواقع يخالف تماماً تلك الادعاءات المكشوفة التي يروج لها الطابور الخامس في كثير من الدول العربية عبر توظيف الخلافات المذهبية بين الشيعة والسنة، بهدف خدمة الأجندة الإيرانية في المنطقة، والدليل أن الكثير من المراجع الشيعية المعتبرة مثل المرجع العراقي الحسني الصرخي والمرجع اللبناني محمد الحسيني – وهم من المراجع التي يُقدر عدد أتباعها بالآلاف- ليسوا على وفاق مع الآيديولوجية الخمينية في تبني سياسة التوسع والتغلغل في الأراضي السنية، من خلال زرع خلاياها في المجتمعات العربية، بهدف ضرب الأمن القومي وإشاعة الفوضى في المنطقة، بل إنهم أعلنوا مراراً وتكراراً إدانتهم للأعمال التخريبية والتصريحات العدوانية التي يطلقها النظام الإيراني تجاه دول الخليج العربي بين الحين والآخر، كما أنهم حذروا في خطبهم ومقالاتهم من خطر الانجراف خلف الدعوات الطائفية التي يروجها أذناب إيران في المنطقة، ممثلة في حزب الشيطان اللبناني والحوثيين وبعض العملاء والخونة في الدول الخليجية. ثانياً: إن الصورة العامة للإنسان العربي في الثقافة الفارسية تحمل قدراً كبيراً من الازدراء والتحقير، بل إن كثيراً من الأدباء الفرس قد ألفوا عديداً من الكتب والدواوين الشعرية في سب وشتم العرب على مر التاريخ، ويأتي في مقدمتها «الشاهنامة» للشعوبي أبو القاسم الفردوسي، التي تضمنت أقذر الألفاظ في حق العرب، ومنها أنه «يبصُق على الزمان الذي سمحَ للعربي آكلِ الجراد وشارب أبوال الإبل- كما يصفُهُ- بالقدوم إلى بلاد فارس العظيمة» وهي من المؤلفات التي تدرس في المناهج الدراسية الإيرانية إلى يومنا هذا، وفي هذا دليل على أن كراهية العرب متأصلة في الثقافة الفارسية منذ القدم. وفي العصر الحديث يبرز الشاعر المجوسي مصطفى بادكوبة كأحد أكثر دعاة الكراهية للعرق العربي في إيران، فهو صاحب قصيدة «اترك الحج» التي يقول فيها مخاطباً الشعب الإيراني» اترك هذا الجهل والكسل، ولا تدعم الشيخ السعودي، إن الله ليس في كعبة العرب» وله أيضاً قصيدة تنضح كرهاً وعنصريةً وكفراً أسماها ب «رب العرب» التي كتبها احتجاجاً على قول أحد المشاركين في برنامج تلفزيوني بأن اللغة العربية هي لغة أهل الجنة، حيث تجرأ هذا المجوسي في قصيدته على مخاطبة الذات الإلهية بكل قبح وسوء قائلاً «خذني إلى أسفل السافلين أيها الإله العربي شريطة أن لا أجد عربيًا هناك»، ويضيف: «أنا لست بحاجة لجنة الفردوس لأني وليد الحب، فجنة حور العين والغلمان هدية للعرب» تعالى الله عما يقول هؤلاء السفهاء. والنماذج على عنصرية الفرس واعتقادهم بسمو عرقهم على العرق العربي كثيرة، بحيث لا تتسع المساحة لذكرها في هذا المقال. ولا أعتقد أن السواد الأعظم من الشيعة العرب تخفى عليهم عنصرية الفرس وبغضهم الشديد للعرب، بغض النظر عن مذاهبهم ومعتقداتهم، بل إن ذلك ينسحب أيضاً حتى على الشيعة الإيرانيين المنحدرين من أصول عربية، حيث يواجهون في الحياة العامة اضطهاداً وتمييزاً على كافة الأصعدة، بينما يحظى الإيرانيون المسيحيون واليهود بمعاملة لائقة تحت مظلة نظام ولاية الفقيه! إن القول بأن النظام الإيراني نظام إسلامي فيه تجنّ وظلم كبير في حق الإسلام والمسلمين، فهو أبعد ما يكون عن سماحة الدين وقيمه الإنسانية الراقية.