سألَ سائلٌ عن: «الكِتابِ السعوديّ» بواقعِ الكشفِ عن قيمته: «معرفيّاً» ولقد كان في سؤاله آياتٌ (علاماتٌ) بيّناتُ للذين يُعنونَ بالكثرةِ استسهالاً للتأليفِ بمنطق التعالم تكاثراً على سؤال: «الكم» ابتغاء الظفر بلقب: «مؤلف» على أيّ نحوٍ جاء والانفضاضُ تالياً عن أسئلة: «الكيف» التي لا تَصمد كُتُبنا لأسئلتها إذ طالما ألفيناها منتحرةً على أعتابِها! ذلك أنّ الكتابَ السعوديَّ لا ريبَ فيه تأليفاً من حيثُ الكثرةُ عدداً لا عُدّةً فيما نُقصانه في قيمته المعرفية/ العلمية يتوكّد حين النظر إلى: «كيفه» فحصاً على عينِ معياريّة: (مقاصد التأليف) التي ينبغي اعتمادها منهجاً في التأليف/ كتابةً قبل أن يُخطّ بياضٌ على سواد. جاء في أزهار الرياض للمقري التلمساني: «..ورأيت بخطّ بعض الأكابر ما نصّه: المقصود بالتأليف سبعة: شيءٌ لم يُسبق إليه فيؤلف، أو شيءٌ ألف ناقصاً فيُكمّل، أو خطأٌ فيُصحّح، أو مُشكلٌ فيُشرح، أو مطوّلٌ فيُختصر، أو مفترق فيجتمع، أو منثور فيُرتب. وقد نظمها بعضهم فقال: «ألا فاعلمنْ أن التآليف سبعةٌ ** لكل لبيب في النصيحة خالصِ فشرحٌ لإغلاقٍ وتصحيحُ مخطئٍ ** وإبداعُ حَبْرٍ مُقْدِمٍ غير ناكصِ وترتيبُ منثور وجمعُ مُفَرَّقٍ ** وتقصيرُ تطويلٍ وتتميمُ ناقصِ» وليس بخافٍ أنّ مصطلح: «مقاصد المؤلفين» قد جاء قبلاً لدى الثعلبي في تفسيره (ت427) وابن حزم (456 ت) في: التقريب لحد المنطق، ولدى ابن خلدون (ت808) في: مقدمته.. ثم تلاهما في المتأخرين المقري التلمساني (1041ت) في: أزهار الرياض وحاجي خليفة (ت1068) في: كشف الظنون، وكان من آخرهم تناولاً للمقاصد السبعة يأتي: صديق حسن القنوجي (ت1307) في أبجد العلوم. ولعلّ مصطلح (مقاصد المؤلفين) كانَ معروفاً من قبل الاستعمال له في: «تراثنا الإسلامي» وَفق شهادةِ: «ابن خلدون» إذ أشار في: «المقدمة» إلى أنّ: «أرسطو» قد ذكر قبلاً: «المقاصد السبعة».. ومما جاء في: «المقدمة» قوله: (… ثُمّ إن الناس حصروا مقاصد التأليف التي ينبغي اعتمادها وإلغاء ما سواها – ثم راح يعدها سبعة مع شيء من تفصيل وتمثيل – فتعقّبها كاتباً: فهذه جملة المقاصد التي ينبغي اعتمادها، وما سوى ذلك ففعل غير محتاج إليه، وخطأ عن الجادة؛ التي يتعيّن سلوكها في نظر العقلاء مثل انتحال ما تقدّم لغيره من التواليف.. فهذا شأن أهل الجهل والقِحَة) وختم القول: (..ولذا قال أرسطو لمّا عدد هذه المقاصد وانتهى إلى آخرها: فقال: وما سوى ذلك ففضلٌ أو شَرَهٌ؛ يعني بذلك الجهل والقِحة) المؤكد أنك تتساءل الآن عن: «القحة» ما الذي تعنيه؟ وَقَحَ (يَقِحُ) قِحَةً فهو واقحٌ هي قد جاءت من: وَقحَ الرَّجلُ: قلَّ حياؤه واجترأَ على اقتراف القبائح ولم يعبأْ بها. على أيّ حال.. وتأسيساً على ما مضى يُمكنُ القول: إنّ الكتاب السعودي يشكو هِزالاً أسفرت عنه حالة: (الأنيميا) التي لازمتُه حِقباً فأمرضته حدّ الوهن حتى إنّه ألِف «المرض» على نحوٍ لا يتمنى معه أن يتعافى! ولئن أوشكت بعضٌ من: «التآليف السعودية» أن تنعتق من داء الهزال فتتعافى فإنّها – تلك الكتب المتعافية على نُدرتها – لا تكاد أن تجد لها كبيرَ اهتمامٍ وليست هي بالكتب المحتفى بها: «محليّاً» بل إنها وأصحابها لا نلبث أن ننبذها على حدّ سواء ونصم أصحابها بسوء الطوية. وإن شئتم برهانا على هذا القول يُمكنكم أن تعيدوا قراءة – أو حتى تصفّح – الكتب الفائزة بجوائزنا: «المحلية» وستبلغ منكم الدهشة غايتها ذلك أنّها إن تكن بهشاشتها/ وتسطحها/ وحشوها هي: «الفائزة» عبر لجانٍ محكّمةٍ فكيف إذن بالكتب التي جاءت دون مستواها؟! إن الغالب من كتبنا السعودية – لا سيما المتخصصة في مواضيع العلوم الشرعية – من الصعبِ بالمرّة أن تجد لها مكاناً في واحدٍ من هذه المقاصد التأليفية السبعة.! سيأتي من يقول: تلك مقاصد تتفق بالضرورة المعرفية مع حيثية الزمن التأليفي الذي نشأت فيه، فليس يصحُّ إذن أن نجعل منها معايير صارمة نقيس بها مقاصد الباحثين المعاصرين لنحكم تالياً على جودتها وأصالتها من عدمها، ذلك أنّ التأليف «المعاصر» له منهجٌ صارمٌ تُخضع أدواته لما يُعرف بحثيّاً بتحديد: «المشكلة» والسعي مِن ثّمً لحلها وهي منهجية قائمة أيضا على طرح سؤال «البحث» ثم الاشتغال تأليفا/ بحثا وتفتيشا معرفياً له عن إجابة… إلخ والإجابة على مثل هذا الاعتراض يسعني إيجازها بالآتي: عند التأمل في المنهج التأليفي المعاصر ومقارنته بمقاصد المؤلفين قديماً لا تجد كبير اختلافٍ سوى في التسمية للمصطلحات فقط بينما هي عند التحقيق تظلّ مقاصد/ مصطلحات واحدة وما من شيءٍ قد تباين فيما بينهما.. إن هو إلا: «اختلاف عباراتٍ» ليس إلا!. ويمكنك أن تأخذ أي مقصدٍ من مقاصد التأليف لدى المتقدمين وتقارنه بما يشتغل عليه المؤلفون المعاصرون، ستجد أنّ ذات المقصد قديماً هو ذاته لدى الباحث المعاصر إذ لا شيء قد تغيّر باستثناء الأسماء/ الألقاب. وبالجملة.. فإنّ سؤال المقالة هو الذي حرّضني على هذه الكتابة.. والسؤال هو: دلّوني على كتابٍ «سعوديٍّ» أستطيع أنّ: «أفاخر» به بوصفه مميزاً ومقروءاً عربياً/ وإسلامياً (لن أقول عالمياً)، وهل أن أحداً منكم يعرف كتاباً سعودياً سَلِم من الاتهام بالسرقة – واللطش الذكي – بخاصةٍ من تلك الكتب التي نالت حظاً من الشهرة لأسبابٍ في غالبها ليست عملية محضة؟! ولا استثناء من هذه الكتب الإبداعية رواية وقصة وشعراً، ذلك أنّ السعوديَ واحدٌ أكان مؤلفاً لبحوثٍ علمية ورسائل جامعية أو محققاً لكتب التراث أو حتى مترجما فضلا عن كونه: «مبدعاً»!! وذلك أنّ (أبو طبيع ما يغيّر طبعه)! حتى أنا لا أُبرئ نفسي أعد قراءة المقالة ثانية لربما تكتشف أني قد لطشتها؟؟!