يشهد المواطن اليمني فصلاً جديداً من فصول انفراج الأزمة السياسية الخانقة، التي حلت بواحد من أفقر بلدان الشرق الأوسط وأكثرها أمية. لقد جاءت المبادرة الخليجية كخيط أبيض يمد عليه اليمنيون آمالهم وتطلعاتهم لتحقيق الاستقرار السياسي وبناء اليمن الجديد. ولكن المتابع للانتخابات اليمنية، ومراكز الاقتراع في المحافظات الجنوبية يشاهد أن الوضع السياسي والأمني لم يكن كحال المحافظات الشمالية، حيث لم يرغب أهل الجنوب اليمني فيما يبدو لي في تحقيق الاستقرار السياسي أثناء الانتخابات، وإرسال رسالة مهمة لليمنيين بشكل عام، ثم للساسة في المنطقة والمراقبين والمهتمين بالشأن اليمني. لقد شهد اليمن في العام 1990 توحيد الشطرين الشمالي بقيادة علي عبدالله صالح والجنوبي المنتهج للفكر الاشتراكي الشيوعي، لكن الجنوبيين بعد سنوات قلائل، في عام 1994 بقيادة رئيس الحزب الاشتراكي اليمني علي سالم البيض، أعلنوا الانفصال من دولة الوحدة، ومن جانب واحد، لتدخل اليمن نفقاً مظلماً، وبحرب طاحنة دارت على مدى شهرين انتهت بهزيمة قوات سالم البيض ليعود اليمن الجنوبي لأحضان الوحدة. منذ ذلك التاريخ تبلور مفهوم الحراك الجنوبي وتطور، وكانت المطالب في البداية سلمية لتحقيق العدل والمساواة بين أبناء الشطرين، في الوظائف والامتيازات المعنوية والمادية، ولكن في الفترة الأخيرة، تطور هذا الحراك، وأصبح ينادي بالانفصال بشكل تام عن الوحدة اليمنية، وإعادة بناء مكونات دولة اليمن الجنوبية، أو ما كنت تسمى اليمن الشعبية الديموقراطية قبل العام 1990. منذ العام 2009 تقريباً، شهدت المحافظات الجنوبية العديد من أشكال المظاهرات والمطالبات الشعبية بتحقيق أقل الطموحات من المطالب الانفصالية، ولكن هذه المطالب لم تلق اهتماماً إعلامياً أو سياسياً، لأن اليمن كان بالأساس يعج بالعديد من الإشكاليات الأمنية والسياسية، مثل تنامي دور القاعدة، و الصراعات الداخلية، مع الحوثيين، وأخيراً الثورة الشعبية ضد حكم الرئيس علي صالح. ولكن في ظل التطورات الديموقراطية الأخيرة والمقبلة في اليمن، لابد أن يعرف اليمنيون والمهتمون في المنطقة، أن هذا التطور سيطوِّر النضال الجنوبي المطالب بالانفصال، تحت شعار «حق تقرير المصير» وهو مبدأ متكرس في القانون الدولي والعلاقات الدولية، وأمامنا الحالة الماثلة باستقلال دولة في جنوب السودان وهو ماقد يتكرر في اليمن، وهذا ما أراد أهل الجنوب اليمني الإشارة إليه من خلال الانتخابات الانتقالية الأخيرة.