أتفق تماما مع ما قاله وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أمام المشاركين في مؤتمر «أصدقاء سوريا» الجمعة الماضية في تونس، وهو: «أن الحل الوحيد للأزمة هو نقل السلطة إما طوعا أو كرها»، مشبها نظام الرئيس بشار الأسد بسلطة احتلال. مبرراتي عديدة ومتعددة أهمها: أن «المشروعية « تعلو على «الشرعية» في النظام الدولي الجديد في الألفية الثالثة، وأن اختيار الغاني «كوفي عنان» (تحديدا) من قبل الأممالمتحدة لهذه المهمة الخطيرة يؤكد ذلك، فقد تولى عنان منصب الأمين العام للأمم المتحدة لفترتين منذ عام 1997 حتى عام 2006 عندما عين الكوري الجنوبي بان كي مون خلفاً له، ونجح في مهمته السابقة كوسيط لإنهاء النزاع الدموي في كينيا في عام 2008. الأمير سعود الفيصل (عميد وزراء الخارجية العرب) يمتلك عادة رؤى سياسية واستراتيجية ثاقبة تسبق الزمن وأحيانا تدخل في سباق معه، وتثبت الأيام دائما «صدقها» ونفاذ بصيرته ودقتها. من أهم العبارات التي ساهم في صياغتها عقب تفكك الاتحاد السوفييتي السابق وأوروبا الشرقية بعد عام 1989 وبالتعاون مع الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بطرس غالي: «أن الدول المستقلة اختفت من العالم تقريبا»، ولا حديث بعد اليوم عن داخل وخارج، أو تدخل خارجي في الشؤون الداخلية للدول. كوفي عنان الذي استلم المنظمة الأممية خالفا لغالي توسع في تفسير هذه العبارة وطبقها بالفعل، ليدشن عهدا جديدا في السياسة الدولية، قال: «إن السيادة الوطنية لها حدود وإن التدخل قد يقع للتصدي لانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، كما أن فكرة السيادة المطلقة لم تعد أمرا مقبولا في زمن العولمة، وأن ما كان يعتبر شأنا داخليا محضا في الماضي أصبح شأنا دوليا وإنسانيا». لكن أهم ما قاله عنان هو: «إن مفهوم سيادة الدولة يمر بعملية تحول كبرى، وأن الدول ينظر إليها اليوم باعتبارها (أدوات) في خدمة شعوبها وليس (العكس)، ومن ثم فإن هناك حاجة لإعادة تعريف المصلحة الوطنية بشكل يتسق ومتطلبات القرن الحادي والعشرين». ففي عام 1999 صدر تقرير دولي عن الأممالمتحدة، دشن مرحلة جديدة في النظام العالمي، جاء فيه: «إن التدخل العسكري يمكن أن يصبح ضروريا لمنع عمليات إبادة جماعية أو (تطهير عرقي – ديني) واسع النطاق أو طرد قسري أو ترويع واسع المدي أو اغتصاب مدنيين». جاء هذا التقرير بعد خمس سنوات من المجازر، في رواندا بوسط أفريقيا عام 1994، ولم يحرك المجتمع الدولي وقتئذ ساكنا، باستثناء دراسة مهمة بعنوان «مسؤولية الحماية» صدرت برعاية الحكومة الكندية، وكانت محور النقاش الذي تفجر مع افتتاح كوفي عنان لدورة الجمعية العامة للمنظمة الدولية عام 1999 بشأن ما يتعين عمله، عندما لا تستطيع حكومة ما حماية مواطنيها أو ترفض حمايتهم. وعلى الرغم من أن أول مقولة موثقة لعالمية حقوق الإنسان، أو قل حق التدخل (لأسباب) إنسانية وجدت في كتابات جروتيوس عام 1625، الذي افترض حق التدخل لمنع المعاملة القاسية من قبل دولة ما لرعاياها، فإن هذا المبدأ قد همش منذ القرن السابع عشر ليعود بقوة كالروح المستحضرة في نهاية التسعينيات من القرن العشرين، ويصبح أهم آليات تطويع القانون الدولي لتتوافق مع واقع توزيع القدرات في النظام الدولي الجديد. الجديد في الأمر هو أن مبدأ حق التدخل لأسباب إنسانية قد أسقط تماما الفقرة الأولي من المادة 53 من ميثاق الأممالمتحدة التي تنص على: «عدم القيام بأي فعل إكراهي سواء تحت ترتيبات إقليمية أو منظمات إقليمية دون موافقة مجلس الأمن»، فقد تدخل حلف الناتو في كوسوفو عام 1999، وتدخلت بريطانيا في سيراليون عام 2000 دون موافقة مجلس الأمن، أما (ليبيا) وما حدث ويحدث فيها فليس بعيدا عن الأذهان، ليبدأ عهدا جديدا يؤكد أن (المشروعية) تعلو على (الشرعية) في التدخل الخارجي في القرن الحادي والعشرين، وهذا بالتحديد ما قصده الأمير الفيصل.. لأن العكس معناه «العودة إلى مرحلة الحرب الباردة والصراعات التقليدية في القرن العشرين» وتلك كارثة بكل المعايير الدولية!