منذ أن دخل تويتر في تفاصيل الحياة اليومية للسعوديين، وصار من أهم المؤثرات في تشكيل الرأي العام، وقيادته، وقياس توجهاته، ورِدَّة فعله، نمت لديَّ قناعة أن معطيات ومخرجات هذا الواقع صنعت مرآة تقنية ضخمة تعكس لنا الصورة الجمعية الكبيرة، والصور الفردية، بشكل غير مسبوق من الدقة والوضوح. آلية التغريد في تويتر أبطأ من أن نحكم على التغريدة بالتسرُّع، وأسرع من أن تتيح للمغرِّد التبصُّر فيما يكتب، وهذا أدعى لأن يكون تغريده تعبيراً حقيقيّاً عما يختزن عقله من مكنونات، لذلك هو يعبِّر عن فكره بكل دقة ووضوح. لا يمكن إنكار أن ثقافتنا أطَّرتنا بآليات محددة للتعاطي والتفاعل الاجتماعي، فرضت قيوداً شتى على حرية التعبير، واستقلالية الرأي والقرار، وهذا أنتج شخصيتين متناقضتين تتعايشان أحياناً، وتتصارعان أحياناً، داخل كيان واحد. شخصية تستجيب للثقافة المجتمعية وتسايرها، وأخرى تعبِّر عن صاحبها، مرة تتفق مع الأولى ومرة تتصادم معها. الشخصية الأولى تعيش في الواقع بمواصفات المجتمع، والثانية تعيش في صاحبها بمواصفاته هو، وما إن يتحرر من سلطة المجتمع حتى يفك أسرها ويطلقها تسبح في الفضاء الإلكتروني، أحياناً تعبِّر عنه حقيقة، وأحياناً تعبِّر عن نقمته على الظروف التي جعلته بهذه الازدواجية. هذه الازدواجية تبرر ظاهرة البذاءة في تويتر، التي هي في الحقيقة نتاج ثقافة عظَّمت الرقيب الخارجي فتضاءل الرقيب الذاتي، فما إن يتحرر المرء من سلطة الرقيب حتى يُخرج كل مكبوتاته السيئة! هذا التبرير قد يصحّ في حالات الأسماء المستعارة والهويات المخفية أو المزيفة، لكن ماذا عمن يظهر بهويته الحقيقية مدججاً ببذاءات مختلفة ألوانها وأشكالها؟! والأسوأ حينما يقدم نفسه، أو يقدمونه «رهطه/ متابعيه»، ب «الشيخ/ الداعية/ المفكر» الإسلامي!. هذا ورهطه يتوهمون أنه يمثل الدين، فَهِمَ هو ورهطه «وليجدوا فيكم غلظة» على أنها خلق لازم، لا موقف عارض، فأساءوا ب»تغريدهم» الفظ إلى كل ما هو إسلامي، أكثر من أعداء الإسلام الحقيقيين! هذا وأمثاله وصفهم العظيم أحمد ديدات -رحمه الله-: «أشرس أعداء الإسلام هو مسلم جاهل يتعصب لجهله، ويشوه بأفعاله صورة الإسلام الحقيقي، ويجعل العالم يظن أن هذا هو الإسلام». في ظل وجود بيئة «قطيعية» خصبة، تسهّل تجييش الأتباع واستلابهم بفكرة ذات لمعة دينية، يعدُّ هؤلاء أخطر مشروع لهدم «الإسلام الأخلاقي» من الداخل، باختزالهم له في طقوس وشكليات مفرّغة من روح الإسلام الحقيقية «الخلق والمعاملة». وهذا يحتّم تضمين قانون جرائم النشر الإلكتروني مادة تتصدى ل «الجهل الإسلامي»، وتجرّم اختطاف صفة «الإسلامية» تحت أي ذريعة، واحتكار فهم الإسلام وتفسيره، وشن الحروب باسمه!