طلب مني الصديق الدكتور منصور البقمي المساعدة في الحصول على مراجع لبحثه في مجال الإدارة والأنظمة، وتوجهت إلى معهد الإدارة، هذا الصرح الأكاديمي الشامخ، وبدأت فعلا في عملية البحث حتى وجدت ضالتي في الدور الثاني في قسم الوثائق، حيث استقبلني الموظف المسؤول، وهو رجل دمث الخلق، مبتسم الوجه، ساعدني على ما قدمت من أجله، وعند بحثي كذلك على بعض الأنظمة ونشرها في جريدة أم القرى، إذا بي بباحث إلى جواري على أحد الأجهزة يتصفح ما يسمى بالمايكروفيش، وإذ به «يفره فرا»، فلا أكاد أرى شيئا، فاستوقفتني هذه السرعة التي يدور بها هذا المايكروفيش وبادرته سائلا: هذه سرعة كبيرة جدا كيف تستطيع أن تعرف ماذا تريد، فأجابني بكل ثقة: أنا باحث متخصص وأصبحت لدي القدرة على معرفة أين أتوقف تحديدا عندما أريد. فتبادر إلى ذهني عدد من الأسئلة حول المايكروفيش أو تحديدا أرشفة الجرائد، فأجابني الشخص الموظف أن أرشيف الجرائد غير مكشف ما قبل 1424، واستأذنته أن أكتب في هذا مقالا. فقبل عام 1424 لا يوجد أرشفة إلكترونية للجرائد والصحف الصادرة بالمملكة، بمعنى أنك لا تستطيع البحث بكلمات مفتاحية في تاريخ قديم في محتوى المقالات أو الأخبار، توجد بطبيعة الحال بشكل مايكروفيش، لكن ينبغي أن تعرف عماذا ستبحث وفي أي عدد موجود ما تريد أن تبحث عنه، لكن عند التساؤل مثلا: ما هي مشكلات الشباب في المملكة في الخمسينيات؟ كيف كانت لغة الأدب في الصحافة خلال الستينيات الميلادية؟ أو أبرز ما يشغل الرأي العام؟ أو آمال وأفكار الصحف وتغطياتها؟ بلا شك أن لمثل هذا الأرشيف أهمية كبرى في حفظ ذاكرة الإنسان والمكان والمحتوى نفسه، لأنه يغوص في أنثروبولوجيا الإنسان نفسه وفكره ومشاغله آنذاك، ويؤرخ له في وصفه لحياته وكل ما يتعلق بها في تلك الفترات، وما زالت الأسئلة تشغل خاطري: ما هي أبرز النصوص الأدبية للكتاب الهواة، أو حتى ما هي المفردات الأكثر استخداما في لغة الصحافة آنذاك؟ إنها بلا شك ثروة فكرية كبيرة وكنز هائل يستحق «استخراجه» وطرحه للعالم. كان والدي – حفظه الله – قد احتفظ منذ صغري بصندوق فيه أعداد قديمة من الصحف المحلية، وعند سؤالي آنذاك له عن الفائدة، قال لي ستكتشفها بنفسك فيما بعد. والآن كباحث أرى أهمية أن يظهر هذا الأرشيف لتستفيد منه الأجيال، وليروا ويتعرفوا على ماضيهم، على الفكر والإنسان آنذاك، على قصص كفاح وتطور، على قضايا دولية وإقليمية تناولتها الصحف كجزء من الهوية الثقافية التاريخية، لا شك أن في مثل هذا تعزيزاً للذاكرة الإنسانية وتطورها، وتعزيزاً للهوية ومدَّا للقيم ما بين الماضي والمستقبل. هذه دعوة للصحف، وللجهات المسؤولة مثل دارة الملك عبدالعزيز ووزارة الثقافة والإعلام، وغيرها من الجهات الثقافية والعلمية، للمساهمة في مثل هذا المشروع الوطني لتكشيف أرشيف الصحف من بداية إصدارها، الذي يعتبر مخزونا قيما جدا لذاكرة الإنسان والمكان والزمان.