الصغير كائن بشري بريء يملأ الأرض لعبا وبكاء وضحكا، لا يذكر الماضي ولا يدرك الحاضر ولا يبالي بالمستقبل، يخاصم الحزن ويعانق الفرح، ثم ما يلبث هذا الصغير أن يكبر ويكبر، حتى يضع له عالما خاصا يتربع فيه مع أفكاره وقناعاته وأحلامه ومشكلاته، وبينهم تجد ذلك الصغير يقفز هنا وهناك. وعندما يمر الإنسان وعالمه بموقف له علاقة بالماضي، يكون الحضور القوي في هذا الموقف للصغير، وعندما يريد التعبير فإنه لا يعبر عنه بكلمات بل بوابل من الدموع لأن جل تعبيرات الصغير بالدموع التي لا يملك سواها، فعندما يرى أحد جيران الطفولة أو قريباً لم يره إلا في طفولته، فإنه يبكي ويبكي.. ونتساءل لماذا؟!! هل عرف أنه لم يعد ذلك الصغير الذي يحمل حلواه التي امتلأت ترابا ولا تزال معلقة بيده، وأصبح الكبير الذي على عاتقه كل مفردات الحياة؟.. أم أنه رأى في وجه ذلك الجار أو القريب صورة عائلته مكتملة، الجد والجدة والأب والأم والأخوال والأعمام وسمع أصواتهم وحديثهم وضحكاتهم، وفجأة أعاد النظر في الصورة فوجدها خالية إلا من البرواز؟.. أم أن الحياة أخذت منه كل مأخذ فأبكته من قبل ومن بعد؟.. أم أنه بمجرد رؤية الجار أو القريب يحن لأيام الصغر التي بكاؤها ضحك؟.. أم أنه عرف أنه لا سبيل للعودة إلى زمان مضى ولم يدرك أنه سيفقده؛ فبكى حرقة وألماً؟.. لكن أيها الصغير الكبير توقف عن البكاء، واعلم أن هذا من فضل الله عليك أن جعل لك قلباً مليئاً بالحب والعطف والحنان والحنين، «وأنه هو أضحك وأبكى» النجم 43، ثم اعلم أن الحياة مستمرة، واستمراريتها تكمن في وجود المتناقضات، صغير وكبير، فرح وحزن، ضحك وبكاء، براءة واتزان، وأخيرا.. اعلم أن الحياة جميلة برغم الفقد، فقط غيّر زاوية نظرك لتراها كذلك.