رحم الله الإمام الشافعي، الذي قال: والله لو كان الماء البارد يُنقص من مروءتي لشربته حاراً. لم تقتصر المروءة على الرجال دون النساء، بل تخلَّقت بها كثيرٌ من الكريمات الطيبات الطاهرات، فلقد كانت، ومازالت، وستظل المرأة الفاضلة، التي «تتفضل» على مجتمعها وأهلها وأقاربها، حريصة على قيمة المروءة، وتسعى إلى أن تصيب بعضاً منها، و«ما لا يُدرَكُ كُلُّه، لا يُترَكُ جُلُّه». للمروءة مظاهر جلية واضحة نقية في النفوس التقية، لا ينالها المرء بسهولة، بل تحتاج إلى صبر وبذل وعطاء وحرص كبير على نيل المكارم والأخلاق السامية الرفيعة، ولو فسَّرنا المروءة لوجدنا أنها: آدابٌ ربانية، وصفات روحانية، تدفع الإنسان إلى الوقوف عند محاسن الأخلاق، وجميل العادات. وللمروءة مواقف شتى، إن عملت بها المرأة، جعلت منها مثالاً يُحتذى به قولاً، ونموذجاً يُقتدى به فعلاً. عندما تحفظ المرأة بيتها، وتصون زوجها في حضوره وغيابه، وتكون معه لا عليه، تشد من أزره، وتحفظ سره، وتعينه على نوائب الدهر، تقف خلفه سنداً ومدداً حينما يكسره الهم أو الحزن، تكون إلى جانبه مستبشرة فرحة عندما يتحقق له إنجاز فتوظف فعلياً مقولة «خلف كل رجل عظيم امرأة»، بجدارة شخصها، واتزان عقلها، وفيض عاطفتها، حينها فقط تكون امرأة ذات مروءة وشهامة برَّاقة لا يُحجب نورها، ولا تنطفئ شعلتها، بل تجمِّل سيرتها ومسيرتها في حياتها وحياة زوجها. حينما تُحسن المرأة إلى جيرانها، تكرمهم، وتُحسن إليهم، ولا تُسمعهم شيئاً من سخطها، أو ازدرائها، بل تكون على نقيض ذلك تماماً، تفخر بهم، وتساندهم، وتشاركهم في أفراحهم وأتراحهم، وتعودهم إذا أصاب أحدهم مرض، وتزورهم إذا فقدوا عزيزاً عليهم، وإن أصابهم خير وفرح قامت بتهنئتهم، وشاركتهم فيه، وإن أصابتهم مصيبة عزَّتهم، وواستهم، تحفظ حقوقهم على أكمل وجه لتبقى واجهة للمروءة ومرآة لها. المرأة التي تتميز بالمروءة، إذا حضر ضيفها استقبلته، وأكرمته، وخدمته دون بخل أو «تقتير»، كما يفعل أصحاب المروءة والنبل والشهامة. تلك كانت بعض صور وصفات المروءة لدى المرأة، وهناك صور وصفات أخرى كثيرة، تمثل قيمة المروءة لديها منها: عندما ترجِّح عقلها، وتحكِّم تصرفاتها دون أن تكون أفعالها مناقضة لأقوالها، لا تهين أحداً، ولا تظلم مخلوقاً، ولا تأتي بمصيبة لأحد، بل تحمل فيها نفسها الخير للجميع، والاستحياء من مخالفة شرع الله تعالى، لا تؤذي أحداً بلسانها أو يدها، فتكون بذلك «مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر»، تترفع عن سفاسف الأمور، تحب لغيرها ما تحبه لنفسها، تبتعد عن الحديث في أعراض الناس، تجعل الصدق والوفاء بالعهد أساساً ونبراساً لها، لأن المروءة تستوجب من المرء أن يعيش عيشة كريمة، يُكرِّم فيها مَنْ يعرف، ويُحسن إلى مَنْ لا يعرف. ختاماً: يا معشر الرجال، والنساء، ليعلم الشخص منا أنه مهما عاش وأطال الله في عمره، فإنه حتماً سيموت، وسيحاسبه الله على كل ما قام به في الدنيا، والسمعة هي «الأثر الوحيد»، الذي يتركه الإنسان خلفه حينما يودع الحياة، ويرحل دون أمتعة، أو تذاكر سفر، فاحرصي أيتها المرأة على مروءتك، ونبل أخلاقك، فهما كالنهر لا يستطيع أحد أن يلوثه، لتظل سيرتك طاهرة نقية تقية، تشهد بذلك صحيفة أعمالك المرفوعة إلى الله، وتستشهد بها مسيرتك الحسنة بين البشر بذكر وشكر أخلاقك في الحياة بعد الموت.