ممارسةُ العنف بالقتل والتفجير لَيْسَتْ مِن الإِسْلَامِ فِي شَيْء، وإن حاولَ معتنقوها ثقافةً أو عملاً البحثَ عن إشاراتٍ في الفقه الإسلاميِّ تبيحها وتجيزها، فالإسلام دينُ الرحمة والشفقة بالإنسان أيّاً كان دينه، فللإنسان حرمتُه الإنسانيَّة، وله حرمةٌ أخرى بإسلامه؛ وإن لم يلتزم تماماً بتشريعاتِ الإسلام وأخلاقيَّاته، كما أنَّ المفجِّر نفسَه وإن ادَّعى بعمليَّته الانتحاريَّة نصرةً للإسلام والمسلمين فهو قد خرج عن الإسلام بفعله هذا بنفسه وبالآخرين، فكيف أقنعته التنظيماتُ الإرهابيَّة بدوره هذا؟!؛ ليقدمَ عليه دون خوفٍ من الموت كفطرة بشريَّة، أو من حساب الله تعالى كمنهجٍ ربَّاني. وممارسةُ التجارة بالغشِّ والاحتكار لَيْسَتْ مِن الإِسْلَامِ فِي شَيْء، وإن حاول ممارسوها أن يضفوا عليها بأساليب دعائيَّة ما تروِّجها وتتلافى بها مراقبة الأنظمة المدنيَّة ومحاسبتها، روى مسلمٌ عن النبيِّ عليه الصلاة والسلام قولَه: «من أحبَّ أن يُزَحْزَحَ عن النار ويَدخلَ الجَّنة، فلتدركْه مَنِيَّتُهُ وهو مؤمنٌ بالله واليوم الآخر، ويأتي إلى النَّاس الذي يُحبُّ أن يُؤتى إليه»، فمن كمال إيمان المسلم ألَّا يقتصر على المسلم فحسب في حبِّه الخيرَ وبُغْضِه الشرَّ، بل يحبّ ذلك لغير المسلم، والغشُّ والاحتكار من الشرِّ، فالتاجرُ وهو يحرص ألاَّ يُغَشّ أو أن يمارسَ عليه تجَّارُ الجملة ومورِّدوها احتكاراً تجاريّاً، فليتنبَّه ألاَّ يقع منه ذلك على المستهلك. وممارسةُ تصنيف الناس في معتقداتهم وأعراقهم لَيْسَتْ مِن الإِسْلَامِ فِي شَيْء، وإن عدَّها ممارسوها دفاعات إسلاميَّة وحرباً على المبتدعة، فتلك اعتباراتٍ لا ينبغي استخدامها باستثارة الآخرين وغرس الضغينة بنفوسهم، قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}، سورة النحل، آية 125، فتصنيفُ النَّاس سيشعرهم بالدونيَّة وسيزيد من اختلافاتهم وأحقادهم، فيما الحكمة والموعظة الحسنة تقرِّب النفوس لبعضها، وتقلِّل اختلافاتها وتحقِّقُ نتائج يسعى إليها الإسلام. وممارسةُ التجسُّس على الوطن لصالح دولٍ أو تنظيماتٍ لَيْسَتْ مِن الإِسْلَامِ فِي شَيْء، وإن عدَّها ممارسوها دفعاً للظلم عن أنفسهم ومجموعاتهم، أو بحثاً عن العدالة ومقاومةً للتصنيف والتهميش، فليعلمْ المتجسِّس أنَّه لن ينالَ من أعداء وطنه خيراً؛ إذْ سيطبِّقون عليه قاعدةَ من خان وطنه سيخونهم، والتاريخ كشفَ مآلات خونة أوطانهم، فإن استشعر المواطنُ ظلماً أو تهميشاً وإقصاءً في وطنه فسيأتيه يومٌ وينصفُه وطنُه، في حين لن ينصفَه أعداءُ وطنه مهما قدَّم لهم. وممارسةُ التبذير والبذخ في المناسبات الاجتماعيَّة من أعراسٍ واحتفالات ومسابقات لدرجة أنَّ المأكول من موائدها لا يشكِّل عشرَها وبواقيها ترمى بمكبَّات القمامة لَيْسَتْ مِن الإِسْلَامِ فِي شَيْء؛ إذْ أنَّ هناك في بلادنا آلاف الفقراء والأيتام والأرامل يتضوَّرون جوعاً، وملايين مثلهم في العالم في ساحات صراعاته وفي مناطق كوارثه الطبيعيَّة، وأحسب أنَّ الباذخين المتباهين بموائدهم خرجوا بها من دائرة الكرم لدوائر الإسراف والتبذير ونكران النعم، فليخافوا الرازقَ المنعمَ من أن يسلبَها منهم، وليحذرْ ذلك مَنْ يكبُّون النعمَ في حاويات القمامة أمام بيوتهم، فهناك من مواطنيهم من يبحثون فيها عن وجباتهم. وممارسةُ ثرثرة الإخوان المسلمين والمتأخونين باسم الوعظ والإصلاح بأساليب متجهِّمة تصادر الابتسامات في الأفراح والأعياد والمناسبات لَيْسَتْ مِن الإِسْلَامِ فِي شَيْء، حيثُ يتصدَّر مدَّعو الوصاية على المجتمع من أنصاف المتعلِّمين هذه التَّجمعات واعظين فيحرِّمون ما هو مختلف عليه، ويستنكرون ألعاباً وفنوناً شعبيَّة فيمنعونها، عارضين أفكارهم وآراءهم في أوقات غير مناسبة مزعجين ومنفِّرين، ومنهم من يظنُّون أنَّهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وقد لا يكونون مكلَّفين بالحسبة تكليفاتٍ نظاميَّة فيتحسَّسون ويتجسَّسون ويطاردون، وكأنِّي بأولئك لم يقرؤوا قصَّة الفاروق رضي الله عنه، فقد جاء في الخبر: «إنَّ عمر تسلَّق داراً ليجد رجلاً وامرأة وشراباً، فقال عمر: يا عدوَ الله أظننتَ أنَّ الله تعالى يسترك وأنت على معصيته، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إن كنتُ عصيتُ الله واحدةً فقد عصيتَه أنت ثلاثاً، فقد قال الله تعالى: {ولا تجسَّسوا} وقد تجسَّستَ وقال: {وآتوا البيوت من أبوابها} وقد تسوَّرتَ الحائط وقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها} وأنت ما سلَّمتَ، فقال عمر: فهل عندكم منه خير إن عفوتُ عنك، قال: نعم، فعفا عنه عمر وخرج وتركه، وكما الاحتساب بالممانعة لعمل المرأة بائعةً للملابس الداخليَّة لأخواتها ليس من الإسلام في شيء فانتقاد الحسبة والمحتسبين عموماً إذا مارسوها بشروطها الإسلاميَّة وأنظمتها المدنيَّة ليس من الوطنيَّة في شيء. وممارسة التحريض ونشر الفكر المتطرِّف والتعاطف مع أصحابه في جهات التواصل الاجتماعيِّ بتغريدات أو بمقالات وبتعليقات فيها وفي مواقع الصحف المحليَّة لَيْسَتْ مِن الإِسْلَامِ فِي شَيْء، فالفكر والرأي الهادف للإصلاح لا يتوارى وراء أسماء مستعارة، كأولئك المخدوعين المحرَّكين ضدَّ مجتمعاتهم وأوطانهم؛ فأولئك لا يفكِّرون بموضوعيَّة فقد ران عليهم الجهل وافتقدوا الوعي الوطنيَّ وظنُّوا أنَّهم بذلك يناصرون الإسلام وهم ينفِّذون مخطَّطات أعدائه.