مانشيت عريض طالعتنا به إحدى الصحف، (وزير الإسكان: أفضل طريقة لخفض أسعار المساكن وجود عرض يفوق الطلب). هذا توصيف رسمي للعائق الأكبر الذي يحول بين المواطن وبين حلم امتلاك مسكن. هنا، الغاية: خفض أسعار المساكن، الوسيلة: إيجاد عرض يفوق الطلب، إذن لماذا يا معالي الوزير -وأنت المدرك لحقيقة المشكلة كما يبدو من التصريح- تبتكر وزارتكم بين حين وآخر وسائل تفاقم من حجم المشكلة بدلاً من السعي إلى إيجاد حلول جذرية لها؟! لماذا بدأت وزارتكم من أعلى هرم المشكلة بدلاً من أن تبدأ من القاع؟! المشكلة الحقيقية عدم وفرة الأراضي، وهذا الشح «المفتعل» جعل كلفة الأرض تزيد على 40% من التكلفة الإجمالية للمنزل – وهذه نسبة متحفظة – فيما المتوسط العالمي لا يزيد على 12%، وصار العدد القليل المتاح من الأراضي عرضة للمضاربة بين صغار الهوامير، إلى أن تنتهي السلسلة المضاربية ب»ضربة» قاصمة لظهر ودخل المستهلك النهائي، الذي يقدّم نفسه ودخله وكل المنتجين من أسرته قرباناً ل «الهوامير» كي يتفضلوا عليه بحلم العمر! أمام هذا الشح في العرض، قامت وزارة الإسكان في عهد وزيرها الجديد، بخطوتين من شأنهما مفاقمة المشكلة أكثر، كونهما أتتا في اتجاه توفير مزيد من السيولة، الأولى تحويل الصندوق العقاري إلى مؤسسة تمويلية، والثانية طرح القرض المعجل بالشراكة مع البنوك. من البدهيات في علم الاقتصاد أن توفر السيولة من شأنه زيادة الطلب حتى وإن كان العرض متوفراً، فكيف بوفرة السيولة أمام شح العرض؟! لا شك أن هاتين الخطوتين ستسهمان في تضخم الأسعار بشكل غير مسبوق، لأن الغاية «المسكن» احتياج أساس لن يتردد المرء في الحصول عليه بأي ثمن طالما ألّا خيارات أفضل مطروحة أمامه! كنا سنشكر وزارة الإسكان لو جاءت هاتان الخطوتان كآخر الإجراءات بعد توفير الأراضي، والوحدات العقارية، وفرض رسوم الأراضي البيضاء، لكن الوزارة صدمتنا وهي تضع العربة أمام الحصان، الذي لن يتقدم خطوة واحدة ولو قطّعت جنبيه بالسياط، فالعربة ثقيلة جداً، وبلا عجلات، والحصان هزيل!