بعيدا عن تماثيل المشاهير التقليدية، يفتح متحف الشمع في بغداد نافذة على تاريخ منسي في العراق، يسبق فترة الصراعات التي قد تستولد تمثالا شمعيا لرجل جر البلاد نحو كل اشكال الحروب: صدام حسين. في هذا المتحف، لا وجود لمايكل جاكسون، ولا للاعب كرة القدم زين الدين زيدان، ولا لمشاهير آخرين عادة ما تزدحم بهم ممرات متاحف الشمع في أنحاء أخرى من العالم، مثل متحف مدام توسو في لندن. هذه التماثيل استبدلها متحف الشمع في بغداد بأخرى تعكس يوميات العراقيين التي تمتد لما يزيد عن مائة سنة: حلاقون يمارسون مهنتهم، نساء على الشرفات، وحرفيون منكبون بشغف على عملهم. عشرات المشاهد التي تنقل صورة منسية عن طريقة العيش هذه، مثل دور استحمام النساء، والزفاف الصوفي، تملا أرجاء وغرف البيت العباسي الذي استخدمه العثمانيون في مرحلة لاحقة، ويقع في وسط بغداد قرب شارع المتنبي التاريخي. ويشمل المتحف اكثر من 500 تمثال تبرز فيها التفاصيل الدقيقة في خياطة الملابس، وكذلك الإنارة التي تساعد على إظهار ملامح التماثيل بشكل ممتاز، والديكور الذي يضفي لمسة حقيقية على المكان. وتتناقض هذه المشاهد مع بغداد اليوم، التي ترتفع فيها جدران إسمنتية تحمي من التفجيرات، وتنتشر في شوارعها الحفر والنفايات، وتزدحم طرقها الرئيسية بالسيارات ونقاط التفتيش. ويعاني العراق منذ نحو ثلاثة عقود من عدم الاستقرار، حيث عايش الحروب، والحصار الاقتصادي، والديكتاتورية، والفقر، والعنف الذي اصبح منذ اجتياح البلاد عام 2003 روتينا يوميا، ما منع شبان اليوم الذي غاب كثير منهم عن المدارس والجامعات من التعرف على طرق عيش اسلافهم. ويتطلع متحف الشمع الى ملئ هذا الفراغ، ويقوم بذلك احيانا عبر استدعاء موسيقيين ورواة قصص لنقل حيثيات هذه المشاهد الى الزوار. وتقول سناء محمد وهي مديرة مدرسة في بغداد، خلال زيارة للمتحف برفقة 75 تلميذا تبلغ اعمارهم ست سنوات، إن “هذا النوع من الرحلات مهم للاطفال لكي يمرحوا ويتعلموا تاريخهم”. ويشاركها الرأي رياض خميس (32 عاما)، الموظف الحكومي الذي حضر الى المتحف برفقة عائلته. ويوضح خميس وهو اب لطفلين “اقدم لاولادي ما قدمه والدي لي. ويوما ما، سيجلب اطفالي اولادهم الى هنا”. ويشدد مدير المتحف باسم العنيزي على ان فكرة المكان تقوم على توجيه رسالة “سلام وحب وثقافة، وطبعا حفظ الثقافة العراقية في عالم اصبح بمثابة قرية صغيرة”. ويضيف “الأطفال العراقيون بحاجة ماسة إلى تعلم ماضيهم”. وبقي متحف الشمع الذي تأسس عام 1971 يخضع للتطوير حتى عام 2003، سنة الاجتياح الاميركي للبلاد لاسقاط نظام صدام حسين. ويروي العنيزي ان هذه الفترة كانت الاصعب على عمل المتحف، مشيراً الى انه كان يواجه مع بعض الموظفين محاولات عصابات لسرقة المحتويات. ويتابع ان المحتويات تضررت عندما انفجرت ثلاث سيارات مفخخة قرب المتحف، وقد اغلق حينها ولم يفتح ابوابه الا في عام 2008. ويخطط المسؤولون عن المتحف اليوم لصناعة وعرض 55 تمثالاً لشخصيات حقيقية ساهمت في بناء تاريخ العراق، مثل الملك فيصل ، والمغامرة البريطانية غيرترود بل. وقال العنيزي “سنبدأ بالمشروع قريبًا”. وذكر رداً على سؤال حول امكانية ان يكون هناك تمثال لصدام حسين “من الممكن ان نضع تماثيل لكل الذين حكموا العراق، ان كانوا ديكتاتوريين مثل صدام، او طيبين مثل الملك فيصل. يجب ان نترك للناس حرية إبداء الأحكام”. وتابع “عملنا يقوم على عرض التاريخ، وليس كتابته”. أ ف ب | بغداد