أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أن الشباب ثروة حقيقية في كل أمة، إذ إنهم الأغلبية عدداً، والطاقة الناشطة المتجددة التي تمثل عصب التنمية وذخيرتها «في عالم يشتد وطيس التنافس بين الأمم لبناء حضارتها على اقتصاد المعرفة الذي أصبح لغة العصر بلا منازع، ومَنْ يتخلف فقد حكم على نفسه بالقعود خلف مسيرة القافلة». جاء ذلك في الكلمة، التي ألقاها نيابة عنه مستشاره أمير مكةالمكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمس، في حفل افتتاح مؤتمر مكةالمكرمة 16، الذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي «الشباب المسلم والإعلام الجديد» في مقر الرابطة بمكةالمكرمة. ونقل أمير مكة تحيات خادم الحرمين الشريفين لحضور المؤتمر، كما نقل عن الملك تعازي المملكة- ملكاً وحكومة وشعباً – إلى ذوي ضحايا حادث الحرم المكي الشريف. وأوضح الأمير خالد الفيصل أن المملكة تشهد مشاريع عملاقة، لتطوير الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، وتبذل لها قصارى الجهد والمال طاعة وامتثالاً لله وأداء لأمانتها، التي شرفها بها -جل وعلا- في خدمة الحرمين الشريفين وتذليل السبل للحجاج والزوار والمعتمرين. وقال «لا مراء في أن الشباب هم الثروة الحقيقية في كل أمة، فهم الأغلبية عدداً، والطاقة الناشطة المتجددة دوماً، التي تمثل عصب التنمية وذخيرتها، في عالم يشتد وطيس التنافس بين الأمم، لبناء حضارتها على اقتصاد المعرفة الذي أصبح لغة العصر بلا منازع، ومَنْ يتخلف فقد حكم على نفسه بالقعود خلف مسيرة القافلة». وأضاف «في خضم هذا السباق المحموم، يتوجب على أمة الإسلام أن تؤهل شبابها: علماً وتقنية وفكراً، بما يمكنها من تحرير موقعها الريادي في عالم اليوم، استئنافاً لدورها التاريخي في سالف عهدها». وتابع «وبموازاة ذلك، عليها تحصين مسيرتهم عقائدياً، بالتزام منهج صحيح الإسلام، القائم على الوسطية والاعتدال ونبذ التطرف والغلو والمغالاة، وما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على الأمة، ويشوه صورة ديننا الإسلامي القويم في عيون الآخرين، كما عليها تحصينهم وتحذيرهم -في الوقت نفسه- من الانصياع لدعاوى الانسلاخ عن الدين، والطعن فيه واتهامه بالتطرف والجمود والتخلف». وأوضح أن الإعلام التقليدي القديم، لعب دوراً في توجيه الرأي العام، والتأثير في المكون الفكري للإنسان، لكن الإعلام الجديد بأنماطه وقنواته المتعددة، وسيولة حركته وانتشارها عبر البث الفضائي الواسع المدى، والهواتف وأجهزة الاتصالات الذكية المتطورة التي أصبحت في متناول الجميع، تسيد الموقف حتى أصبح اللاعب الأول والأخطر تأثيراً في ترسيخ ما يبثه من قيم وقناعات لدى الشباب خاصة، باعتبارهم الشريحة الأكبر تعاملاً معه، والأكثر تأثيراً وتأثراً به. وأشار أمير مكةالمكرمة إلى أن التوجه الصحيح لهذا الإعلام المنضبط بالصدقية والشفافية والحقائق الموثقة، يحقق انتشار المعرفة الإيجابية المفيدة للإنسانية جمعاء، بالتواصل بين الأمم مع مستجدات العصر، وتحرير انتقال المعلومة النافعة بين أرجاء الأرض، إلا أن تأثيراته السلبية الخطيرة وعواقبه الوخيمة، في توجهه التآمري الخاطئ والمتعمد ضد الإسلام والمسلمين (خاصة) ليست بالهينة، لأنه تيار (عولمي) يعج بالغث والسمين ممزوجين معاً، بحيث يصعب على العامة وقليلي العلم والخبرة من الشباب (خاصة) التمييز بينهما، و» لذا فقد وجد الضالون والمضللون وكذا الحاقدون المغرضون على الإسلام والمسلمين غاياتهم في استقطاب الشباب واختطاف عقولهم والتغرير بهم عبر هذا الإعلام الجديد، إما لانتهاج التطرف في دينهم أو الانسلاخ عنه، حتى رأينا -بعين الأسى- بعض شبابنا -في عمر الزهور- يساقون إلى تفجير أنفسهم في أكثر من موقع لبيوت الله ويقتلون الركع السجود، وفي المقابل رأينا بعض الأقلام المأجورة الموتورة تركب الموجة فتتهم الإسلام بأفعال هؤلاء وتدعو إلى الانسلاخ عنه». وأضاف «لقد أدركت رابطة العالم الإسلامي هذا الخطر المحدق بالأمة ودينها الحنيف، فعقدت الدورة العاشرة لمؤتمركم الموقر على عنوان «مشكلات الشباب المسلم في عصر العولمة»، ثم تابعت الطرق بعقد دورتها ال 11 على موضوع «التحديات الإعلامية في عصر العولمة» وها هي اليوم تنفذ إلى عمق معالجة المشكلة بانعقاد مؤتمركم الآني لبحث موضوع «الشباب المسلم والإعلام الجديد» وتجمع له هذه النخبة من العلماء الأجلاء المتخصصين وتنتقي المحاور الكفيلة بتسخير جهودهم فيمجابهة هذا التحدي الخطير، الذي يواجهنا جراء الغزو الفكري الذي يتربص بنا في منابر هذا الإعلام الجديد، سواء من داخلنا، أو بفعل أعدائنا في الخارج، الذين يخططون لهزيمة مشاريعنا الحضارية». قال سماحة مفتي عام المملكة رئيس المجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ إن شباب الأمة أمانة في أعناقنا وكل أب مسؤول عن أبنائه، ويجب علينا أن نتحمل مسؤولياتنا كل حسب تخصصه ونكرس الجهود للحفاظ عليهم. وأضاف أن الإعلام القديم كان يهتم بنقل المعلومة، ولم تكن هناك أي خطورة على الشباب ولكن الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي أصبحت خطراً على الشباب في تلقي الأفكار المنحرفة، التي تؤدي بهم إلى الانحلال والتطرف ولقد استغل بعض ضعفاء النفوس الإعلام الجديد لنشر الرذيلة والفساد. ودعا إلى محاصرة هذا الإعلام الجديد بالتوعية الصحيحة للشباب المسلم، وليعلم الجميع أن هذا الإعلام الجديد إن لم تتم السيطرة عليه بالتوعية الصحيحة، فسوف يكون خطراً كبيراً على الأمة الإسلامية، فلابد للأمة أن تتحمل مسؤوليتها تجاه هذا الإعلام الجديد، وعلى الباحثين أن يخرجوا بتوصيات مفيدة لأمتهم وشبابهم. نوه الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبدالله بن عبد المحسن التركي بالجهود المتميزة، التي تبذلها المملكة ضمن خطط وبرامج مدروسة، في ضبط الإعلام بالموازين التي لا تتعارض مع ثقافة مجتمع المملكة، وكانت سباقة إلى الاستفادة الإيجابية من تطورات الإعلام والاتصال. وقال إن المملكة نموذج رائد في العناية بالشباب والإعلام، ومن ثَم فإن المهتمين بقضايا الشباب والإعلام، مدعوون لإبراز نموذج المملكة وتشجيع الاستفادة منه. وأشار الدكتور التركي إلى أن الشباب المسلم يواجه اليوم تحديات صعبة، وأصعبها ما يستهدف دينه والقيم والمبادئ الإسلامية التي نشأ عليها، وهو تحد تتعرض له مختلف شرائح الأمة، لكن الشباب أكثر تعرضاً له، وأشد تأثراً به، لقوة صلته بالإعلام الجديد ذي الانتشار الواسع والتأثير القوي والسريع، والتميز بالتفاعلية والآنية والعالمية، مع انخفاض تكاليف الحصول على التقنية وسهولة استخدامها لافتاً إلى أن للإعلام الجديد فوائد ومنافع تتصل بمختلف مجالات الحياة، لكن أضراره كثيرة وخطيرة، قد تصل إلى تغيير المبادئ والمفاهيم الأساسية التي تتعلق بالأسرة والمجتمع والحياة والدين والثقافات الموروثة، وقد تُعرِّضُ الهُوية الإسلامية والوطنية إلى الاهتزاز والسموم الفكرية في ظل انعدام الرقابة والحصانة والتوجيه، وأن من السلبيات السلوكية التي قد يصاب بها بعض الشباب المسلم من سوء استخدام الإعلام الجديد، العفوية والعشوائية، وترويج الشائعات والأكاذيب، والمخالفات الشرعية، وإضاعة الأوقات والإدمان والتوحد والابتعاد عن الواقع. أوضح رئيس جامعة الأزهر الدكتور عبدالحي عزب عبدالعال، في كلمة ألقاها نيابة عن المشاركين في المؤتمر أن أمة الإسلام يجمعها أكثر وأعظم بكثير ما يفرقها ذلك أن العقيدة بأصولها تجمع الأمة، والدين بأركانه يعصمها، والشريعة بمقاصدها الإنسانية تعزها، حاثاً على التمسك بنعمة الإخوة ونعمة الاعتصام، لنكون قدوة لشباب الأمة. وشدد على وجوب نبذ الفرقة والتشرذم والعمل على نبذ العصبية والعنصرية، مؤكداً أن صناعة التطرف والغلو والتفرق والتشرذم إنما تأتي من العصبية والعنصرية. وحث الجميع على الأخذ بيد الشباب للحيلولة بينهم وبين التطرف ببث الفكر الوسطي ونشر مبادئ القيم والرحمة والسماحة واليسر. وأوضح رئيس جامعة الأزهر أن وسطية الإسلام توجب الرفق بالشباب واللين معهم فهم أولى بذلك، وتطرق إلى أهمية الأخذ بالرحمة والنصح والنصيحة لننطلق مع المنظومة الإسلامية نحو التركيز على قضايا العصر، وما يبني فكر الشباب لتسلم الأمة من كيد الكائدين.