قوبل توقيع رئيس جنوب السودان على اتفاقٍ ينهي 20 شهراً من الحرب الأهلية في بلده بترحيبٍ حذر أمس الخميس، حيث اعتبر دبلوماسيون ومنظمات غير حكومية أن الشق الأصعب سيكون تطبيق النص الذي أبدى سلفاكير تحفظاتٍ عليه. وبعدما رحبت بهذا الاتفاق الذي يعد «خطوة أساسية في الجهود الهادفة إلى إنهاء النزاع»؛ دعت رئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقي، نكوسازانا دلاميني زوما، الأطراف المتحاربة إلى «الامتثال بدقة لبنوده وتطبيقها بصدق». ووقع كير ونائبه السابق الذي يقود حركة تمرد منذ ديسمبر 2013، رياك مشار، سلسلة سابقة من اتفاقات وقف إطلاق النار التي انتُهِكَت فور توقيعها بالأحرف الأولى. وأدت تحفظات الرئيس على توقيع ما وصفه بأنه «سلام مفروض» إلى إخماد حماسة كانت محدودة أصلاً. ورأى كير قبل توقيعه الوثيقة أمس الأول أن «السلام الذي نوقعه يتضمن كثيراً من الأمور التي يجب أن نرفضها (…) وتجاهل مثل هذه التحفظات ليس في مصلحة سلام عادل ودائم». وتنص الوثيقة على آلية لتقاسم السلطة مع المتمردين وسحب الأسلحة من جوبا التي تسيطر عليها حالياً القوات النظامية. وأعلنت واشنطن، عرَّابة استقلال جنوب السودان، أن «الولاياتالمتحدة والأسرة الدولية لا تعترفان بأي تحفظات أو إضافة على الوثيقة». وكان كير رفض توقيع الاتفاق في 17 أغسطس الجاري في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مع انتهاء مهلة إنذار وجهته الأسرة الدولية المستاءة من المواقف المتقلبة و«سوء النية الظاهر» للطرفين خلال 19 شهراً من المفاوضات العقيمة، فيما وقَّعه مشار. وأمهل الوسطاء في مجموعة دول شرق إفريقيا الرئيس 15 يوماً تنتهي في الأول من سبتمبر المقبل لإجراء مشاورات. كما أمهله مجلس الأمن الدولي حتى الموعد ذاته لإبداء تأييده الكامل للسلام. وكان المجلس أعلن الثلاثاء الماضي استعداده للتحرك فوراً إذا لم توقع حكومة جوبا على الاتفاق. وبعد اجتماعٍ تناول الأزمة في جنوب السودان؛ أفاد سفير نيجيريا رئيس مجلس الأمن خلال الشهر الحالي، جوي أوغوو، بأن الدول الأعضاء أكدت استعدادها للتحرك فوراً. وأبلغ السفير النيجيري الصحفيين «سنتحرك فوراً إذا لم يُوقَّع الاتفاق أو إذا وُقِّعَ مع تحفظات». وتقدمت الولاياتالمتحدة بمشروع قرار ينص على فرض حظر أسلحة وعقوبات على جوبا ما لم يوقع كير الاتفاق. لكن روسيا والصين وعدداً من الدول الإفريقية تحفظت على النص، خصوصاً فيما يتعلق بالعقوبات التي ستُفرَض على الشخصيات المتهمة بعرقلة الحل السياسي. وتتولى الولاياتالمتحدة إعداد لائحة بأسماء الذين ستجمد ممتلكاتهم ويُمنَعون من السفر. واعتبرت روسيا، التي تشغل مقعداً دائماً في مجلس الأمن وتتمتع بحق النقض (الفيتو)، أنه لن تكون هناك حاجة للقرار الأمريكي إذا وُقِّعَ الاتفاق. ويفرض الأخير إعلان «وقف دائم لإطلاق النار» بعد 72 ساعة من توقيعه، ويقضي بمنح المتمردين منصب نائب الرئيس الذي يرغب مشار في العودة إليه بعد إقصائه منه في يوليو 2013 أي قبل 6 أشهر من اندلاع القتال. وستُنشَأ لاحقاً لجنة للمصالحة ومحكمة لجرائم الحرب بالتعاون مع الاتحاد الإفريقي. وبدأت الحرب هذه في ديسمبر عام 2013 حين اتهم كير نائبه السابق مشار بمحاولة الانقلاب عليه، ما أثار موجة من أعمال العنف امتدت من جوبا إلى كل أنحاء البلاد واتخذت أحياناً طابعاً إثنياً وشهدت ممارسات وحشية. وأبرم الطرفان 7 اتفاقات لوقف إطلاق النار، إلا أنها انهارت خلال أيام وأحياناً خلال ساعات في البلد الفتي الذي استقل عن السودان في عام 2011. ويحتاج أكثر من 70% من سكان هذا البلد (12 مليون نسمة) إلى مساعدات عاجلة. ونزح نحو 2.2 مليون من منازلهم، وفق الأممالمتحدة التي حذرت من أن بعض المناطق مهددة بالمجاعة. ووصفت الوكالات الإنسانية الرئيسة العاملة في جوبا اتفاق السلام الأخير بأنه «ليس سوى طريق طويل وصعب باتجاه السلام والمصالحة». ولاحظ مدير منظمة «إنترناشيونال ريسكيو كوميتي»، رونالد بول فيو، أن «أهمية اتفاق السلام هذا لن تُحدَّد إلا بطريقة تطبيقه على الأرض». ورأى نظيره في منظمة «كير»، جون هور، أن توقيع الطرفين «نبأ سار لكن السكان يحتاجون إلى أكثر من الكلام».