ما الفرق بين أن تعْصب عينيك لتلعب الغمّيضة مع أطفالك، وبين أن تلعب لعبة الموت بذات الطريقة مع سجّانك، بينما ترخي سمعك طويلاً لتعرف ماذا يدور حولك، وتنتظر ما يمكن أن يحدث لك بعد أن وقعت في فخ أعدائك؟ أعتقد أن الفارق كبير بين لوحتين تعبيريتين، وقاسم مشترك في صورة مشهدين أحدهما يحكي براءة الفكرة في حفلة الطفولة التنكرية وأنت تبحث معصوب العينين عن صغارك وهم يوظفون ثقافتهم في الاختباء في كافة مخابئ منزلك، لتجد كلاًّ منهم يبتكر مخابئه خلف الأبواب وتحت الأسرّة وفي خزانة الملابس وخلف أشجار الحديقة تاركين لك فرصة استخدام حواسك بينما عيونهم تلمع من فكرة هروبهم والعودة إلى مركز اللعبة وهم يتلذذون بفكرتها البسيطة التي أمتعتنا ونحن نلعبها صغاراً قبل زمن اللعب الإلكتروني، بينما تحمل اللوحة الثانية أكثر أشكال التعذيب تداولاً وإذلالاً للمقبوض عليه، الذي لا ينتظر ترف نهاية لعبة الغميضة، وإنما تتحول إلى لعبة انتظار التعذيب. فقد كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن عصب العينين يعتبر ضمن 80 وسيلة تعذيب يلجأ إليها جهاز «الشاباك» الإسرائيلي أثناء التحقيق مع المعتقلين الفلسطينيين، بينما تبتكر يومياً أساليب وأجهزة متخصصة للتعذيب. كل تلك الوسائل تستدعي التمعن في عقلية الإنسان وإمكاناته الإبداعية في تعذيب الآخر، ولعل أبسط صورة يمكن أن نراها على أجهزة التلفاز هي صورة الغمّيضة السياسية التي صارت تستخدم على أوسع النطاقات وأمام المحطات الإعلامية في قضايا ظلم أو عدالة، تظل العيون المعصوبة أنموذجاً للتعذيب البشري مهما تعددت أسبابه ومبرراته وهويته، تظل شكلاً لإهانةٍ يرزح فيها الإنسان تحت وطأة الإرهاب عندما يكون متهماً، أو يجعل لغيره مبرراً لاستخدام هذه الوسيلة لاقتياده إلى عوالم يتحسس فيها معالم الطريق، ولا طريق لمن عُصبت عيناه في انتظار قدرِ موتٍ، أو تعذيب، أو مستقبل غامض ومجهول، إن عالمنا العربي يحتاج إلى أن يتوقف عن لعبة «الغميضة السياسية» وانتظار المجهول، عليه أن يزيل هذه العصابة عن عينيه وأن يتوقف عن لعبة الموت حتى لا يقع من الدور العاشر وهو يظن أنه يسير متوازناً بخطاه على أرض الواقع «لن نلعب الغميضة». وعلينا أن نخرج من بساطة الفكرة إلى عبقرية الفارق المهول حتى لا ندمن شكل الغمّيضة الجديد في انتظار المجهول، وننسى لعبتنا التي تركناها في ألبوم عائلتنا القديم دون أن نحتاج إلى الاختباء من الوجع.