مؤلمة هي فاجعة القديح الإرهابية، التي أودت بحياة عشرات المصلين وجرح أضعافهم، في مسجد الإمام علي عليه السلام في القديح، إحدى بلدات مدينة القطيف أمس الجمعة، حينما فجر أحد الإرهابيين نفسه باستخدام حزام ناسف أوصله سريعا إلى جهنم وبئس المصير. وعرج بهؤلاء الشهداء العُزَّل الآمنين إلى الجنة إن شاء الله، والعزاء موصول لكل مواطن آلمته هذه الفاجعة المحزنة، وشعر وأيقن أنَّ المستهدف هو الوطن بأسره، وما هذا العمل إلا سعي من أجل إذكاء روح الكراهية وصناعة أسباب الإرهاب المقابل، لتنشأ بالنتيجة فتنة وتناحر في هذا البلد لا يعلم خطورتها إلا الله سبحانه وتعالى، هذا القاتل المجرم لم يراعِ حرمة بيت الله ولم يحفظ له كرامة، حينما منح نفسه الحق في تفجيره وقتل المصلين الذين مُلئ دماغه من الشحن ضدهم بأنهم مشركون ومستباحو الدم، فجاء متقرباً إلى الله سبحانه وتعالى بهذا العمل وإرضاء وإسعاداً لمن ألقموه هذا الاعتقاد. القاتل الحقيقي كما أعتقد هو كل طائفي تفرغ لنشر نتن روحه المريضة في تويتر أو في الإعلام أو في المنابر، كل هؤلاء الذين يشتمون الشيعة ليل نهار ويؤلبون ضدهم ويكفرونهم شركاء في هذه الجريمة، بل كل من يحاول بطريقة أو بأخرى منح القتلة تبريرا لفعلهم، لأنهم حينما فعلوا ذلك صنعوا أسباب الإرهاب والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بقتل الشيعة واستباحة دمائهم، وجعلوا من هذا القاتل يظن بالفعل أن مصيره الجنة ورضا الله سبحانه وتعالى. الوطن ينزف دما، الوطن طُعنَ غدرا وعدوانا، الوطن هنا هو القطيف والأحساء، هو الرياض والقصيم، هو مكة والمدينة وجدة، الوطن هو كله دون تجزئة، من قام بالجريمة ورضي بها وترحم على فاعلها هو المجرم الحقيقي، الذي طعن وسيبقى يطعن الوطن ويخربه ويفسده كلما سنحت له الفرصة. ليس المطلوب من أحد أن يترك دينه أو مذهبه أو حتى أن يقول ما يُعجب الآخر ويظهر الاحترام لمعتقده، المطلوب هو أن يعي الناس أن الدين والمذهب والفكر أمور شخصية ليس لأحد أن يفرضها على الآخر، أعجبك مذهبي أو لم يعجبك فهذا شأنك، أما أن تُجيز لنفسك فرض رأيك عليَّ وعلى غيري فهذا لا وألف لا. حينما دخل الملك عبدالعزيز عليه الرحمة القطيف أبان زعيمها الفقيه الإمام علي أبو عبد الكريم الخنيزي- بُويع برغبة من الشيخ وكثير من زعماء القطيف ورجالها، الذين رفضوا حكم الإنجليز- رغبتهم في منحهم حكما ذاتيا حينذاك، وانضموا طوعا إلى حكم الملك. القطيف هي عنوان كبير وشامخ للولاء لهذه الأرض، ومن حاول ولم يزل يحاول الإساءة للقطيف وأهلها هو شخص مأجور أو مستغفل، يجهل هذه الأرض الطيبة وأهلها الوطنيين الذين كانوا وما زالوا بُناة حقيقيين لهذا البلد، سلاحهم العلم والتفاني والإخلاص في كل ما يوكل إليهم، حتى أصبحوا محل ثقة كل من عرفهم، لا سيما كبريات الشركات التي سعت دائما لاستقطابهم. رحم الله الشهداء وألهم ذويهم الصبر والسلوان، وأسأل الله أن يحمي هذا البلد ويحفظه من كيد الكائدين، وإنا لله وإنا إليه راجعون.