في خضم هذه الأحداث الجارية، في الشمال والجنوب، تداعياتها تبدأ من الدين، وتنتهي في الدين، فهو لب الأحداث والصراعات ومحور الحُلول، والانصهارات، والانكسارات، والنهوض، فمتى تمسّكنا بالدين الصحيح السليم الخالي من الشوائب، كانت النتائج إيجابية سليمة في مُجتمعٍ تسوده المحبة والولاء، والعكس صحيح في مخاض التأويلات والتفسيرات التي ينادي بها بعضهم ويجعل منها شمّاعة تؤول إلى تطبيقات تؤدي إلى البُعد عن النهج الإسلامي والشريعة السمحة، تكون نتائجه حروباً، وقتلاً ودماراً لثروات الأمة، وما يحدث الآن في اليمن وليبيا والعراق وسوريا إلا نتاج لهذه التفسيرات الخاطئة لمفهوم الدين، جاءت من جراء التناحر بين أطياف تنتمي إلينا مع الأسف وتحضر مجالسنا بل تُصلي في مساجدنا، ولكنها تمرق من الدين كما يمرُق السيف من الغمد، فلا هي مع السماحة بشيء، ولا هي من التعاليم التي جاء بها رسول هذه الأمة صلى الله عليه و سلم، نتج عن ذلك تيارات اختلفت بالفكر والآيديولوجيا تُريد مصلحتها ولا غير، وتبحثُ عن الكيفية التي تصل بها إلى مُرادها، فكانت المُسميات تهزُ أركان الوطن الإسلامي من شرقه إلى غربه، فمنها سروري، وجامي، وإخواني، جاءت بها أفكار غريبة اقتحمت عالمنا والدين منها براء!. في حديث للمصطفى عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم حول افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة، وكانت تفسيرات بعض العلماء لهذه الفرقة أنها أمة التبليغ وليست أمة الاستجابة. وفي رواية معاوية لهذا الحديث أنها أمة الجماعة. وتحديد الفرقة الناجية في هذا الحديث اختلفت فيها أقوال العُلماء فقد ذكر الشاطبي في كتاب «الاعتصام» خمسة أقوال عزاها إلى قائليها إلا قولاً واحداً لم يعزه وهي: «السواد الأعظم، والصحابة على الخصوص وجماعة أهل الإسلام وجماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمر وجب على بقية الأمة لزومه» انتهى كلامه. ولكي نحدد مواقع المختلفين في كل زمان لابُد من وضع ضابط نستطيع به أن نعرف هذه الفرقة من غيرها، إذ ليس كُل اختلاف بين المسلمين يدخلهم في هذه الفرقة..! ومن هُنا كانت الدعوات لإعادة صياغة الخطاب الديني ومفهومه وتخليصه من الشوائب، ونشر قيم التعايش المُشترك. ولا يخفى على الجميع دور العُلماء في مُكافحة الفكر المُتطرّف ونشر قيم الإسلام السمحة من خلال منابر الجُمع، والندوات والمُحاضرات ومن أهم القنوات الموصلة إلى ذلك «المناهج التعليمية»، فمن خلالها ننطلق إلى تصحيح مفاهيم النشء حول مفهومية الدين والتديّن والتعايش مع الآخر. إن أهم مصادر الإرهاب أو المصادر التي يتغذى منها الإرهاب، فكر التكفير والإقصاء وسوء فهم الولاء والبراء، والغالبية مع الأسف لم تفهم ولم تدرك حتى يومنا هذا معنى الجهاد وأركان الجهاد وأساسيات الجهاد!. أذكُر أن المؤتمر العالمي (الإسلام ومحاربة الإرهاب) الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في مكة في فبراير الماضي، ركّز وناقش محور الأسباب التربوية والثقافية والإعلامية، وتطرق المؤتمر إلى ضعف المناهج التعليمية في تقديم ثقافة مُتزنة، وعن ضعف وسائل الإعلام في التوعية والتثقيف، وضعف ثقافة الحوار وأدبياته وعدم تأصيل ثقافة الاختلاف. في كتاب (مناهج العلوم الشرعية في التعليم السعودي «استقراء، تحليل، تقويم»)، وهو من إعداد فريق من الباحثين وفيه دراسة مُهمة تتناول بالتقويم مناهج تدريس مواد العلوم الشرعية ومقرراتها في التعليم العام السعودي في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وتعقد مقارنة بين الأوليات التي تضعها هذه المناهج مع الأوليات الشرعية كما في القرآن والسنة. وفيه طالب هؤلاء الباحثون بتغيير مُسميات المواد الدينية المعروفة (تفسير، توحيد، فقه، حديث) في مناهج التعليم العام وتسميتها بمسميات تٌعبّر عن غايات تدريسها (تنشئة، تربية، تفكير)، كما طالبوا بأن تنفتح مناهج العلوم الشرعية على مرجعيات جديدة، بالإضافة إلى كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب لتوسيع دائرة النظر واكتشاف مظاهر التنوّع في الثراء في الفكر الإسلامي، لوقاية الناشئة من مخاطر التشدّد وأحادية الخطاب. إذاً الهدف هو مشروع إصلاحي واسع نحو إعادة صياغة الخطاب الديني، ونسعى من خلال هذا الطرح إلى بناء رؤية أكثر استجابة لتطلعات القيادة، في ظل توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله-.