المواطنون السعوديون والمقيمون على أرض بلادهم, يعرفون الواقع الذي يعيشونه بكل إيجابياته وسلبياته, وهو واقع يعرفونه منذ عقود وليس من اليوم, ويعرفون ما حدث فيه من تغيير وتطوير مازال مستمراً ومتصلاً منذ الأمس القريب والبعيد وحتى اليوم وإلى الغد القريب والبعيد بإذن الله. وأنت اليوم أو أنا أو هو أو هي من السعوديين لو سألت سعودياً آخر «قلبه مفقوع» كما نقول, من معاملة متعطلة بسبب موظف كسول أو إدارة مهترئة, أو من حق يشعر أنه لم ينله حتى الآن لسبب أو لآخر, أو لأنه فقير, أو عاطل أو ... أو ..., وسألته سؤالاً محدداً, ما رأيك في قيادتنا؟ لأجابك دون تردد: قيادة خيّرة, وربما أضاف أوصافاً ودعوات من قلبه, فلو أضفت: هل تفضل العيش هنا في السعودية أو ... وسم أي وطن آخر؟ فإنه وبدون تردد سيجيبك حسب مستواه الثقافي بأنه لا ينشد بديلاً, ولكن بحكم حالته قد يشكو من الجهات التنفيذية و التنفيذيين الذين يسودون الوجه أحياناً, أمّا إن كان ممن نسميهم جمهور الناس وهم الغالبية في الوطن, فإنه قد يختصر إجابته لك في شتيمة سيئة تعبر عن حنقه من أن تسأله عما هو عنده من المسلمات التي لا يقبل فيها نقاشاً, ومن أقل تلك الردود التي قد تسمعها هي من نوع: تراب في حلقك .. أو أخف قليلاً من نوع : فال الله ولا فالك. السعوديون – وأنا هنا لا أتقول على أحد وإنما أروي ما أعرف- لا يقبلون مساساً لا بقيادتهم ولا بوطنهم فالإثنان عندهم في مرتبة لا تقل قداسة عن دينهم, بل هم يؤمنون أو على الأقل الغالبية منهم, أن عدم قبولهم للمساس بالقيادة ووحدة الوطن ومقدراته هي جزء لا يتجزأ مما يتعبدون به ربهم. ولهذا فإن مقارنة السعودية بأي بلد عربي آخر سواءً من تلك التي شهدت ما يسمى بالربيع العربي أو تلك التي مازالت تنتظر أقل ما يمكن أن يقال فيها أنها مقارنة تفتقر للموضوعية وللمعرفة العميقة بالواقع بكل مكوناته, ناهيك عن كونها مقارنة ذات صبغة «شعاراتية» لها أهداف بعيدة المنال على من يتقصدها أو يطمح إليها, ولن تتجاوز حدودها في البلبلة المحدودة واستقطاب بعض الجمهور المخدوع. أخونا خطيب القطيف سعى الى شيء من هذا الاستقطاب – ربما – لكنه لو تأمل قليلاً, واستمع الى صوت عقلاء القطيف نفسها من حوله لأدرك أنه – ربما – ارتكب جريمة كبرى في حق القلة من الشباب الذين – ربما – صدقوه وانجروا الى أفعال فوضوية تضر اول ما تضر أنفسهم, ثم الابرياء من حولهم الذين يستنكرون فعلهم, ويصرخون مستنجدين بالدولة لحمايتهم ودفع شرور هؤلاء. هذا في الحد الادنى, وأمّا لو تأمل الخطيب اكثر فإنه سيجد المقارنة التي اوردها مع سوريا تعد جريمة في حق عقله أولاً, اذ لا يستقيم الأمر لا منطقياً ولا عقلاً ولا شرعاً, لا تاريخاً ولا حاضراً, ولا نظاماً ولا تنمية, لا شعاراً ولا حقيقة, وبالتالي سيجد نفسه وهو من على منبر « جمعة « يفتئت علناً على الناس وعلى الواقع كله. لا أحد في طول الوطن ولا عرضه سواءً كان سنياً أو شيعياً يقبل أن يتعرض أحد للظلم في إي زمان أو مكان, لكن الظلم – ان وجد – لا يدفع بظلم أشد وأعظم, وانا أقول هذا إنسجاماً مع ما يقوله بعض اخواننا المثقفين الواعين في القطيف الذين يصرون ان المشكلة داخلية بحته, ولا تأثير لأي شعارات أو ايديولوجيا خارجية, وهم – كما أظن – يقولون ذلك متطلعين الى حل ينهي هذه الازمة التي يفتعلها القلة عندهم بين الحين والأخر, لكن مثل خطيب القطيف هذا يحرجهم من جهتين: من جهة انه يؤكد اثر الايديولوجيا الخارجية بظلالها كلها, ومن جهة أنه يهدد الدولة, ولا يطلب حلاًّ, وكأنه يقول للأمن اذا أوقفتم هذه القلة التي خرجت بالسلاح فأنتم مثل قتلة الشعب في سوريا, فكيف يستطيع العقلاء في القطيف أن يكرسوا منطقهم وحججهم ورغبتهم أمام من يستخدم منبر المسجد للتهييج والمغالطة والتهديد. إنني أقدر لاخواننا المثقفين في القطيف دعوتهم إلى حلول جذرية ممكنة, ومنها مناصحة الشباب, وتوجيههم الى سبل المطالبة بالحقوق التي يرونها وفق أنظمة الدولة, لكني أعتقد أن هؤلاء المثقفين بحاجة ماسة قبل هذا, إلى بذل جهد لمناصحة بعض الرموز الذين يبحثون – ربما – عن جماهيرية, و- ربما- عندهم أجندات تأثروا بها أو أمليت عليهم, وفي كلا الحالتين فهم لا يريدون خيراً للوطن كله, ولا للقطيف بصفة خاصة. نظام الدولة يمنع المظاهرات في كل شبر, ومع ذلك أغمض الأمن عينيه مراراً وتكراراً عن مسيرات قطيفية كثيرة بعضها ارتبط بمناسبات دينية, وبعضها تنفيساً, وبعضها لا معنى له, لكن الأمر ارتفع إلى حمل السلاح, وإلى إيذاء الناس علناً, بل وإلى إطلاق النار على رجال الأمن, فهل على رجال الأمن أن يسمحوا لمتظاهر يحمل الكلاشينكوف أو المتفجرات في يديه؟. إن «ضبط النفس» المطلوب من رجال الأمن يجب أن يقابله التزام بالنظام من المواطن والمقيم, لكي يتحقق ضبط الأمن أولاً, إذ لا يعقل أن تطلب مني أن أحاورك وبندقيتك مصوبة نحوي مهما كانت الحال. إن عقلاء ومثقفي القطيف عليهم مهمة تاريخية حيال بعض «الرموز» قبل واجبهم التاريخي حيال الشباب سواءً كان هؤلاء الشباب مغرراً بهم أو أصحاب قضية يمكن مناقشتها وحلها. إن المشكلة الحقيقية في القطيف – في نظري على الأقل – سهلة وبسيطة وحلها ميسور وممكن, شريطة أن يقوم عقلاء القطيف ومثقفوها بتحييد بعض «الرموز» علناً, وتحذير شباب القطيف مما يدعون إليه علناً, وحينها يمكن وضع عربة الحل على طريق النجاح, وإذا صدقت النوايا تحقق المطلوب, فالصدق .. والصدق وحده سبيل المؤمنين إلى الخير في الدنيا والآخرة.