يتوهم عديد من أصناف مجتمعنا أن الثقافة هي الأمسيات والندوات والمحاضرات التي تعج بها النوادي الأدبية والمحافل الثقافية فقط، متناسين أن الثقافة هي المادة الخام لكل أساليب الحياة والتعليم والحاضر والمستقبل وأنها اللبنة الأساسية للتطور المجتمعي والإنساني والتنموي. لذا أثر الغباء الاجتماعي الذي صنعته قيود أزلية لدينا على المسار الثقافي وأجهض عديداً من المشاريع الثقافية وأوجد أسلوب حياة مقيتاً يمارس إقصاء الآخر وإرضاء الذات وفق الميول والاتجاهات النرجسية وتحكم الأنا في إدارة الحياة ونصيحة البشر والتعامل الإنساني مع الآخرين. تغيب الثقافة لدينا في مَنَاحٍ كثيرة من الحياة فالأسر تُمارس دورها التربوي بطريقة الثمانينيات وبالتوارث في إدارة المنزل وفي طريقة الحياة ووفق مزايا الجيران وتجارب أهل الحي بعيداً عن الاستراتيجية الذاتية المتطورة دون إدخال الثقافة والتطور في إدارة الأسرة فيسطو الغباء المجتمعي وتبرز أسوأ ملامح التضليل وتعميم الأدوار وعدوى الطرق البائسة فتغيب الثقافة فيخرج لدينا جيل متأزم متلازم مع تربية روتينية بلا ثقافة ليمارسها مستقبلاً. في إدارتنا الحكومية ومراجعاتنا المقيتة المميتة في ردهات مواقع المعاملات والمراجعات تغيب الثقافة، فالموظف يمارس ردوداً فجة وطرق تعامل محفوظة منذ أزل ينطق بها في وجه المراجعين يعمل صباحاً في توصيل أبنائه ونهاراً في وظيفة خالية من الثقافة متخلية عن التطوير الذاتي للتعامل والتفاعل بأساليب مبتكرة تنم عن ثقافة وظيفية وسلوكية وتجده مساءً عضوا في استراحة يقوم جدول أعمالها على تكرار ما حدث في اليوم وتعليقات ساخرة على ما سمع وتكهنات بليدة في أمور الناس ليمر يوم تعيس يفرض الغباء ويصادر الثقافة المجتمعية. تغيب ثقافتنا حتى في محافلها ومواطنها فمعارض الكتاب ومناسبات الثقافة تحولت لمشاحنات وأسواق بيع وشراء وسط منتجات لا تتوافق مع المأمول وسط ملاسنات ومصادمات حولت الثقافة إلى مشهد ممزوج بالغباء المجتمعي وحولت اللحمة الثقافية إلى صدامات مع السلفيين الذين لا يزالون يلاحقون التراث والذوق والتذوق والثقافة بمعاول هدم تعتمد كل الاعتماد على جدل الاحتساب وفرد العضلات وطمس كل ملمح متحضر ووجه أبيض للثقافة ليبرز الغباء بكل صوره طاغياً وباغياً على المشهد الثقافي معلنا احتضاراً بطيئاً للثقافة وسط عدم توقف هذه القوافل التي تفرض أساليبها الخاصة ورؤيتها المنتكسة على المشهد بكل صور البؤس والالتباس والانتكاس. تغيب الثقافة لدينا حتى في الحوار فالرياضة لدينا تعصب مقيت حتى في المنتخبات، هذا الغباء الاجتماعي الذي فرضه التعصب حول حوار الرياضة لدينا من حوار ثقافي وعملي إلى مشاحنات ومشاجرات حتى داخل البيت الواحد وتسبب غياب الثقافة الرياضية في تحويل الرياضة لدينا إلى مكمن خلاف ومجال اختلاف ومعلم للفتن ووجه واضح للغباء الذي يفضي إلى المشكلات وحتى المصائب. تغيب ثقافتنا في تعاملنا مع الأنظمة فما نشاهده من فوضى في الشوارع وأمام صراعات النقود وفي المواقع التجارية هو ذات المشهد الذي نشاهده في معاملاتنا في أي مكان فثقافة الابتسامة غائبة وثقافة الإيثار متغيبة وفوضى الفضول وعشوائية التعامل حاضرة، وعندما تغيب الثقافة عن النظام فذلك مؤشر خطير لتنامي الغباء الاجتماعي وغياب الثقافة لأن النظام ثقافة مفروضة بل ولا يحتاج تعلما أو دراسة فهو ثقافة فطرية محكومة بالإسلام ومحتكمة إلى الأدب والذوق الإنساني لكل الشرائح. لدينا أزمة أزلية تتعلق بالثقافة المشروطة التي من الواجب أن تكون معلماً للحياة وعنواناً بارزاً لنا. آن الأوان لصياغة ثقافية في المجتمع، يجب أن نغير الصورة النمطية السائدة لدينا في حياتنا وتعاملاتنا ومعاملاتنا، يجب أن نوظف مفهوم الثقافة المبنية على الذوق الإنساني والذائقة الفطرية كي نكون مجتمعا متطورا محاربا للعشوائية طاردا للفوضى جاذبا للمثالية وأن يتحد المجتمع بكل فئاته لترسيخ مفهوم الثقافة العامة التي بجب أن تبدأ من أولى سنوات التربية لتتطور بقيمها واتجاهاتها لصناعة مجتمع مثقف يصدر نتاجه الأمثل للمجتمعات الأخرى ومسح صور وملامح الغباء الاجتماعي بكل تفاصيله حتى نكون ناجحين ذاتيا طامحين متميزين في واقعنا ومستقبلنا.