عندما لوَّح إبريل، معلناً انتهاء موسم الكذب، سألت نفسي عن جريمة رابع شهور السنة الميلادية حين يرتبط اسمه بالكذب، كنوع من الدعابة والتسلية. ولعلنا نعرف أن «كذبة إبريل» هي تقليد أوروبي «قائم على المزاح»، حينما يقوم بعض الناس في اليوم الأول منه ببث الشائعات، أو الأكاذيب، ويُطلق على مَنْ يصدق هذه الشائعات، أو الأكاذيب، اسم «ضحية كذبة إبريل»، وقد تعددت الأقاويل حول هذا الشهر، وأسباب احتكاره موسمَ الكذب، كما ارتبط الأنف بنفس العلاقة مع الكذب، وربما يتذكر كثيرون منا حكاية «بينوكيو»، الذي كان أنفه يطول كلما كان يقول كلمة كاذبة. وقد اتفق الروس، والأمريكان على فحوى الأسطورة، فقد جاء خبر نشرته وكالة «ساب» الروسية، حول أن الكذب يطيل أنف الكاذبين، فيميِّز الخبراء، وعلماء النفس القول الكاذب من الصحيح بمجرد «تفرُّس» وجه المتكلم، حيث إن الشخص حين يكذب يتدفق الدم إلى أنفه، فيتعرق، وبالتالي تمتد يده للمس أنفه تلقائياً، ما يؤدي إلى توسيع أنسجته. والسؤال: هل للكذب حدود، ومواسم، وألوان؟ وهل ستقصر أنوفنا يوماً عندما نتوقف عن الكذب، أم إن عمليات التجميل ستحل مشكلة الكذب «المتطاير في سمائنا»، وحالة تشابه الأنوف، التي جعلت الكذب أنيقاًً، ومتاحاً حتى في الوقت الإضافي من مباريات الحياة؟! أعتقد أن المشكلة تكمن في تزايد طفرة الكذب لدرجة أننا صرنا نكذب الكذبة، ونروِّجها، ونصدقها، ما أدى إلى تبديد الحقائق، وعكس الصورة، وقبول جميع المعادلات المستحيلة بمعطيات المغالطات الجديدة لروزنامة العلاقات والرؤى، التي تعيش حالة من الضبابية في تحديد هويتها. إننا نحتاج إلى الصدق مع أنفسنا، وأن نمتلك ثقافة التدقيق في المعلومات التي تصل إلينا، ونقوم بعملية نسخها، ولصقها، دون إدراكٍ لحقيقة أننا نساهم في ترويج الشائعات، والأكاذيب، التي أصبحنا نتعامل معها بسياسة القطيع، ونقرُّها، ونجزم بصدقها، وهي في الحقيقة مجرد أكاذيب، تهدف إلى الانتقام من الآخرين، أو الإساءة إليهم، أو تضليل الرأي العام. نحتاج إلى الخروج من دائرة التشابه في زراعة حقول الكذب، والشائعات في حواراتنا، وأن نتذكر معنى أن نسأل عن توثيق المعلومة قبل أن نُدخلها إلى مزاد التعاطي المفتوح، الذي تشهده يوميات كلٍّ منَّا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي «عبَّأت» زجاجات حياتنا بالغث والسمين. يقول الكاتب محمد الرطيان: كل فكرةٍ رائعة هي كذبة رائعة .. ابتكرها إنسانٌ موهوب، وصدَّقها ملايين الحمقى.