سنوات عديدة من الخدمة.. تميّز في الأداء.. مثابرة وكفاح.. تكريس وإخلاص.. كل ذلك لم يكن ليشفع له في المؤسسة التي كان يعمل فيها فظل يصارع التحديات التي تعصف به، والأمواج التي تلاطمه وتحطم معنوياته وتسلبه تحقيق أحلامه وبلوغ طموحاته وأمنياته. ذلك مجرد مثال يعيشه كثيرون في المجال المهني وعليه يمكن القياس على غيره من المجالات. فكل شخص يواجه في حياته تحديات كثيرة سواء كانت عائلية أو عملية أو اقتصادية أو صحية أو اجتماعية أو غيرها. ولكن كل شخص يختلف عن الآخر في طريقة التعاطي والتفاعل مع هذه التحديات. رجوعاً إلى المثال السابق، بعض الناس يستسلم للأمر ويستمر على وضعه يكابد الآلام والتحديات يوماً بعد يوم يعيش على أحلام واهية. ومنهم من يختصر المسافة ويحيل نفسه على طريق التقاعد المبكر ليتفرغ لاستثماراته الخاصة وعمل ما يروق له بلا قيود. ومنهم من يستيقظ من سباته متأخراً ويتكيَّف مع تحدياته مؤدياً واجبه بعيداً عن الضغوطات النفسية، مستفيداً من هذا التحدي لإعادة ترتيب أوراقه وأولوياته، وتحقيق التوازن بين أهدافه التي تشمل جميع الأدوار التي يشغلها، ويبحث عن فرص واعدة ليعيش حياته باستثمار وقت فراغه و طاقاته ومواهبه وهواياته فيما يحقق له السعادة والرضا الذاتي. ومنهم من يقرر وضع نهاية لتلك التحديات واجتثاثها من جذورها وتحويلها إلى فرصة للتغيير والالتحاق بمنظمة عمل أخرى يجد فيها مساحة واعدة أكبر لتحقيق طموحاته وأهدافه، والاستمرار في عطائه واستثمار طاقاته وخبراته للرقي بالمنظمة التي انضم إليها. التحديات التي تواجهنا مهما كانت لاينبغي أن تكون عائقاً أو أن تقف حجر عثرة أمام تحقيق ما نصبو إليه من أهداف سامية أو سبباً في تعكير صفو العيش والتأثير على الحالة النفسية والصحية. بل بالعكس ينبغي أن ننظر إليها بنظرة إيجابية، وبعقل متفتح ونبحث عن طرق فاعلة للتحكم في كيفية التفاعل والاستجابة معها بحكمة وروية. فكما قيل: «تحديات الحياة لايفترض أن تعيقك، بل يفترض أن تساعدك لاكتشاف نفسك». برنيس جونسون. وذلك لايمكن تحقيقه بيسر وسهولة إذا كانت ردة الفعل قاسية إلى درجة أن يبدأ التحدي بجعل حياتك مأساوية وغير مرضية. عندما ينغلق أحد الأبواب أمامك لاتهتم كثيراً ولا تكن متشائماً ومتحطماً معنوياً، ولكن افعل ما بوسعك لتجد طريقة مثلى لكي تتمكن من فتحه مرة أخرى، وإذا ما تعسر إعادة فتحه فلا تقف أمامه محملقاً كثيراً وتضيع وقتك منتظراً طوال حياتك مُصراً على إعادة فتحه. انظر من حولك وسترى أبواباً كثيرة مفتحة تستطيع اختيار أي منها بما يناسب احتياجاتك ويلبي رغباتك لتعبر من خلاله بابتسامة لعلك تجد فيه الخير الكثير الذي لم تجده في غيره من الأبواب. التحديات ليست دائماً سيئة، والحياة أحياناً تكون مملة بدونها. التحديات تجعل الحياة أكثر متعة ومعنى لأنها تخرجك من المنطقة المريحة التي اعتدت المكث والاستقرار فيها. وعليه فنحن بحاجة إلى أن نتعلم كيف نتفاعل ونتعامل مع جميع أنواع التحديات التي تواجهنا في مختلف الأصعدة لكي لا نسمح لها أن تعكر صفو عيشنا. علينا أن نتحلّى بالصبر والاستعانة والثقة بالله جلَّ وعلا، وأن نكون عقلانيين آخذين بجميع الأسباب والظروف المحيطة. كما ينبغي أن نكون إيجابيين وننظر لوجهي العملة ونقيِّم الإيجابيات والسلبيات. ومن الضروري أن نتحلَّى بأعلى درجات الثقة بالنفس وبقدراتنا وإمكانياتنا لنتمكن من تحويل أي تحد بيسر وسهولة إلى فرص مثمرة واعدة نستفيد منها على المدى القصير والبعيد. وليس شرطاً أن تكون هذه الفرص من نفس طبيعة التحدي بل يمكن أن تكون في أي مجال وفي أي بيئة قريبة أو بعيدة. وذلك الأمر يتطلب منا أن نكون أكثر وعياً ومبادرة وانفتاحاً، ونفكر خارج الصندوق بدون قيود أو حدود. وأي إخفاق في ذلك يعني أننا استسلمنا وقررنا أن نواصل العيش مع تلك التحديات ونتصارع معها، ويبقى الحال على ماهو عليه بغض النظر عن النتائج السلبية الوخيمة. ومن جميل ما قيل: «لا تتمنَّ أنه كان أسهل، تمنَّ أنك كنت أفضل. لاتتمنَّ مشكلات أقل، تمنَّ مزيداً من المهارات. لاتتمنَّ تحديات أقل، تمنَّ مزيداً من الحكمة.» جيم رون والآن عزيزي القارئ خصص جزءاً من وقتك، وخذ قلماً وورقةً وسطِّر فيها بعض التحديات التي تواجهك في مختلف المجالات العائلية والعملية والاجتماعية والاقتصادية.. وغيرها. ثم ابدأ بالتفكير إيجابياً وبكل تفاؤل وحكمة في كيفية تحويل هذه التحديات لفرص مثمرة واعدة تحقق لك النجاح والسعادة الدنيوية والأخروية.