برز ت بلدة العوامية إلى صدارة الأحداث المحلية منذ أن تصاعدت فيها المسيرات الشبابية منذ 3 سنوات وإلى أن برزت فيها أيضاً مواجهات صدامية مستمرة بين مسلحين وقوات الأمن، وظلت إلى اليوم جرحاً دامياً ينزف من جسم وطننا الغالي. ومثلها مثل أي بقعة في وطننا ينبغي أن نتناول ما يحدث فيها بهدف المعالجة وليس لغرض التأجيج والإثارة والانتقام وردود الأفعال الارتجالية. هذه البلدة التي يتجاوز عدد سكانها ال 30 ألف مواطن تميّز أبناؤها بحبهم للعلم والمعرفة وبرز من بينهم أكاديميون وأطباء وشعراء وعلماء دين بارزون على مستوى الوطن. وللمعلومية فإنها تقع ضمن منطقة محصورة ومحاطة ببلدات مجاورة، وتمر على أطرافها أنابيب النفط الواصلة لموانئ التصدير على سواحل الخليج العربي، ويخترقها شارع وحيد يوصلها بما حولها من مدن وبلدات. ساد في هذه البلدة اتجاهان شبابيان بارزان: الأول اتخذ من الجريمة وسيلة لترويع الآمنين ونشر الفساد والعبث بمصالح المواطنين والتعدي على مؤسسات الدولة ومنشآتها. وقد أدرك أبناء المجتمع خطورة هذا التوجه الذي استغل صعوبة الوصول إلى البلدة وانتشار المزارع فيها ليمارس مختلف أشكال الجرائم بعيداً عن أعين الرقابة والمتابعة الأمنية. وطالب الأهالي والشخصيات الاجتماعية الجهات الأمنية باتخاذ إجراءات رادعة لضمان الأمن والسيطرة على عمليات تهريب وبيع السلاح والمخدرات وغيرها من أشكال الجرائم المستنكرة. الاتجاه الثاني جاء متفاعلاً مع أحداث الوطن العربي ومتبنياً لمطالب اجتماعية قائمة، وعبر عن ذلك بمسيرات متواصلة ما لبثت أن لقيت صدى وتفاعلاً في مختلف مدن المحافظة، إلا أنها استجابت مع إجراءات الدولة بمنعها ومواقف الشخصيات الاجتماعية والدينية ورجالات العوامية وتوقفت عن النهج الصدامي منذ حوالي عام. ومع العلم أن جهات رسمية عديدة التقت ببعض هذه الوجوه لتداول الرأي معهم حول مطالبهم، وشكلت لجاناً لتحديد هذه المطالب ومعالجتها. تكمن المشكلة في تداخل الاتجاهين مع بعضهما، ومحاولة جماعات الإجرام الاختفاء حول الاتجاه المطلبي وأخذه كذريعة لمواصلة أعمالها الجنائية التي لم يسلم منها الأبرياء من المواطنين بل ودفع كثير منهم جراء مواقفهم المعارضة لذلك أثماناً باهظة. لم يتوقف كثير من الخطباء والعلماء والكتَّاب في المنطقة عن الحديث عن رفضهم لكل شكل من أشكال العنف واستخدام السلاح ضد المواطنين أو ضد أفراد الأمن، بل وصدرت عدة بيانات بهذا الخصوص من شخصيات لها مواقعها الاعتبارية في المجتمع ولدى الدولة. وقد جاء البيان الذي أصدرته شخصيات من رجالات القطيف في الأسبوع الماضي بعد مقتل أحد رجال الأمن كرد واضح على هؤلاء الذين يعبثون بأمن البلاد ويستهدفون الأبرياء باستخدام السلاح. ما يهمنا هنا هو التفكير في معالجة جادة لهذه القضية معتمدة على حالة من الفهم المنفتح وقادر على المعالجة بعيداً عن أجواء التحدي والمواجهة، فالبيانات والخطابات الإعلامية لم يثبت جدواها، والتوجه الأمني منفرداً أثبت أنه مكلف على الجميع، ولا بد من السعي المشترك لمعالجة الموقف بصورة حازمة ومخلصة تراعى فيها هيبة الدولة وأمن المواطنين. ففي الوقت الذي ندين فيه أي شكل من أشكال العنف والإرهاب، فإننا ندعو في ذات الوقت إلى مواصلة أجهزة الدولة في تواصلها مع علماء وشخصيات أبناء المنطقة لتفويت الفرصة على من يتصيد في المياه العكرة، ولوضع حد من التساهل في أرواح الناس ورجال الأمن ودمائهم.