الإبداع ملكة لابد من المحافظة عليها وتنميتها لكي تظهر إلى الوجود، وينعم بإنجازاتها الجميع.. لكن الموهوبين في المجالات الإبداعية الأدبية المختلفة لا يلقون دعماً كافياً لإظهار هذه المواهب.. نظراً لأن المختصين والمؤسسات المتخصصة متوجهون لاكتشاف المواهب ذات الطابع العلمي.. وهذا ربما كان في وقت من الأوقات له حاجة ملحة، لتدعيم البعد العلمي وتخريج رجال يرفعون راية المملكة في المجالات العلمية المختلفة.. لكن وجود كثير من المبدعين في مجالات الخطابة والشعر والأدب يحتم على القائمين والمعنيين بالمواهب توجيه البوصلة مرة أخرى لتشمل الجميع.. فعديد من الطلبة الموهوبين في المجالات الأدبية ممن يملكون موهبة في الإلقاء والشعر والدارسين في التعليم العام يجدون صعوبة بالغة في إيجاد البيئة المناسبة التي تحتضنهم، لكي تنمي موهبتهم، وذلك بسبب عدم كفاءة المختصين القادرين على تبني هذه الموهبة داخل المدارس، بالإضافة إلى عدم رغبة مؤسسة «موهبة» في احتواء هذه المواهب بحجة محدودية الإمكانيات البشرية التي تعاني منها. كما أن توجهها وتركيزها منصب على التخصصات العلمية والمعرفية. «الشرق» التقت بعدد من المواهب الشابة، وناقشت المختصين لتخرج بالتحقيق التالي: البداية كانت مع وائل الدخيل مختص في تقديم البرامج التي تعنى باكتشاف الموهوبين، الذي قال: هناك طلبة يملكون مواهب في مجالات الأدب والنحو، ومنها القدرة على إلقاء الخطابات أمام الجمهور، وكذلك كتابة الشعر، ولكنهم في الواقع مغيبون ولم يتم الاستفادة منهم داخل المدارس بالإضافة إلى عدم تبني موهبتهم بما يطورها إلى الأفضل. مشيراً إلى أن السبب هو أن هذه المواهب ليس لها أهمية لدى مؤسسة «موهبة» المعنية بالمواهب. وأضاف الدخيل قائلاً: إن الطالب الموهوب في هذه المجالات قد لا يكون متفوقاً في دراسته، خاصة في المواد العلمية ولكنه يملك موهبة قد لا تجدها في كثير من الطلبة المتفوقين دراسياً في هذه المجالات، فهناك على سبيل المثال طلاب قادرون على التعامل مع الألعاب الإلكترونية وكيفية إصلاحها، وأيضاً في الخطابة والشعر، وهؤلاء قد لا تكتشف موهبتهم إلا من خلال الاحتكاك بهم. وقال: طبعاً كل هذه المواهب غير مصنفة لدى المتخصصين الذين يتم إسناد مهمة اكتشاف الموهوبين إليهم. وطالب الدخيل إدارة التربية والتعليم بتوسيع الدائرة التي تخصص اكتشاف المواهب في المدارس؛ لأن ذلك أمر يخدم جميع الموهوبين، من خلال زيادة أعداد المراكز أو الحاضنات التي تهتم بالموهوبين سواء من خلال عمل شراكة مع مراكز الأحياء، أو التعاون مع الجمعيات الخيرية التي قد تكون على علم بأمثال هؤلاء. وقال الدخيل: إن عدم تحفيز المعلم مادياً وتأمين كل المتطلبات التي تساعده في تنفيذ برامج اكتشاف المواهب داخل المدارس من أسباب تراجع مستوى كثير من الموهوبين، رغم الجهود التي تبذل من قبل إدارة التربية والتعليم، ولكن تلك الجهود مجرد رفع للمعنويات، لهذا ينبغي أن يمنح المعلم مكافأة شهرية على ما يقوم به من جهد داخل المدرسة. وأرجع محمد الحمام «متخصص في الموهوبين» المشكلة لضعف الدورات التدريبية التي يخضع لها المعلمون الذين يتم إسناد مهمة اكتشاف الموهوبين داخل المدارس إليهم. وقال: ينبغي أن يتم إلحاق المعلم بدورات تنمي من إمكانياته الذاتية التي سوف تساعده على امتلاك الخبرات في المستقبل. وأضاف الحمام قائلاً: إن طرق اكتشاف الموهوبين يجب أن تكون مسؤولية أشخاص مختصين ولهم خبرة في هذا المجال، وقد سبق لهم الحصول على دورات في هذا الشأن؛ لأن المتخصص سوف يتمكن من اكتشاف الموهوب، ويتعرف عليه بسهولة، وكذلك الموهبة التي يتميز بها، ولكن الذي نلاحظه حالياً أن الذين يقومون بهذا الدور هم معلمون غالبيتهم غير متخصصين، ولا يملكون الخبرة الكافية التي تمكنهم من اكتشاف الموهوب. وشدد الحمام على أهمية إيجاد البرامج التي تساعد الموهوبين في مواصلة إبداعاتهم من أجل الاستفادة من موهبتهم، وكذلك من اختراعاتهم بما يعود بالنفع عليهم وعلى وطننا. وقال: هذا لن يحدث ما لم يتم تطوير أدوات المكتشف نفسه، الذي بدوره سيسهم في تطوير البرامج والآليات التي تدعم موهبة الطالب المتميز في مختلف المجالات. ودلل الحمام على ذلك بقوله: هناك طلبة موهوبون تم اكتشافهم من فئة الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة لديهم إبداعات، ولكن لم يتم الاستفادة من إبداعاتهم. مشيراً إلى أن السبب في ذلك أنهم غير قادرين على الوصول إلى الأماكن التي يستطيعون من خلالها مواصلة هذه الإبداعات. الطالب محفوظ المنسف أحد الطلبة الذين يملكون موهبة في الشعر يقول: هناك عديد من الطلاب الذين يملكون هذه الموهبة، وقد حصدوا عدداً من الجوائز أثناء التكريم في مناسبات مختلفة، ولكن هؤلاء الطلبة غير قادرين على تنمية موهبتهم والسبب قلة الدعم. وطالب المنسف بتسليط الضوء على المبدع من خلال وسائل الإعلام المختلفة، قائلاً: الطالب الموهوب لكي يبدع ويبرز إبداعاته يجب تسليط الضوء عليه إعلامياً؛ لأن ذلك سوف يسهم في الاستفادة من هذه الموهبة في المستقبل، وبالتالي سينعكس هذا التميز على الطالب وسمعة بلده. فيما قال الطالب علي الحسن إن التركيز على الطلبة المتخصصين في المجال العلمي والمعرفي من قبل «موهبة» قد يسهم في دفن كثير من الطلبة الموهوبين في المجالات الأخرى. وقال: إن هذا التهميش قد يضيع موهبة كان بالإمكان الاستفادة منها مستقبلاً. داعياً المؤسسات المختصة في مجال اكتشاف المواهب لترك التقليدية في التعامل مع المواهب، من خلال توزيع الاكتشاف على جميع الملكات الموجودة للطلبة، مثل الشعر والأدب والخطابة. مؤكداً أن الارتقاء بمثل هذه الأنماط الأدبية لا يقل أهمية عن الإبداعات العلمية وغيرها. فيما قال ل «الشرق» الدكتور عبدالرحمن القويزاني مدير عام إدارة الأولمبياد الدولي في مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع: إن البرامج التي تركز عليها مؤسسة «موهبة» في اكتشاف الطلبة الموهوبين هي في مجال الإثراء العلمي والمعرفي، فقط وليس في كل المجالات. وبين القويزاني أن إمكانيات المؤسسة محدودة من حيث الكوادر البشرية، وهذا الشيء جعلها غير قادرة على استيعاب جميع الطلبة الموهوبين السعوديين الذين يملكون مواهب في مجالات عدة، على اعتبار أن المؤسسة عمرها الزمني لم يتجاوز بعد 5 أعوام. لكن القويزاني استدرك قائلاً: هناك توجه في المستقبل لاستيعاب كل الموهوبين من الطلبة الدارسين في التعليم العام. وأضاف القويزاني: من أولوياتنا في «موهبة» هو اكتشاف الطلبة الذين يملكون مواهب في المجالات العلمية والمعرفية، ولكن هذا لا يعني أننا لا نؤيد فكرة دعم الموهوبين في التخصصات الأخرى، كالشعر والإلقاء والخطابة ولكن هؤلاء سيتم دعمهم مستقبلاً؛ لأن هناك توجهاً من قبل موهبة في دعم كل المواهب دون استثناء. وأشار القويزاني إلى أن المؤسسة لا تتبنى دعم الاختراعات حتى يتمكن المخترع من الاستفادة من الاختراع خاصة التي يتم إصدار براءة اختراع لها، فهذه الأمور من اختصاص مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتنقية، وكذلك بعض الشركات في القطاع الخاص التي يمكن لها الاستفادة من الاختراع، ومنها شركة أرامكو وسابك وغيرها من الشركات الكبرى. وتابع القويزاني قائلاً: هناك توجه من قبل الحكومة في أن تكون مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية هي الجهة القادرة على دعم هذه الاختراعات، وذلك بعد أن زاد عدد الاختراعات دون الاستفادة منها والدليل أنه خلال العام الفائت بلغ عدد الاختراعات التي قدمها الشباب السعودي نحو 5 آلاف اختراع، وهذا العدد يعتبر كبيراً، فلو تم الاستفادة منه في السوق السعودي لكان المردود إيجابياً على المخترع والبلد بأكمله. وكشف القويزاني أن لدى «موهبة» عديداً من الابتكارات التي يتقدم بها عدد من الطلبة ولكن هذه الابتكارات ليست كلها تصنف على أنها اختراعات؛ حيث يتم التعامل مع الأفضل منها، ولهذا فقد تم تأسيس إدارة تعنى بالابتكارات سوف تتبنى تحويل عدد من الأفكار إلى برامج يتم الاستفادة منها في العام المقبل.