دهش مدير المعهد الذي كنت أحضر فيه دروساً في اللغة والإعلام في بريطانيا عندما أجبته بأنه لم يكن هناك سبب لغيابي عن حضور المحاضرات يوم الأمس وأن السبب الحقيقي هو قراري الشخصي بعدم الحضور بسبب سوء المزاج .. كانت دهشة المدير كما أوضح لي بأنه لم يعتد على سماع عذر كهذا من قبل خاصة من الدارسين العرب وقال إنهم يتفننون في خلق الأعذار. الإنجليز ليسوا شعباً ملائكيَّاً لايكذب لكنهم في الغالب يتكلمون بصدق ويصدقون الآخرين وإذا كان هناك من يكذب فهم الذين هاجروا إليها من دول أخرى وهذه الصفات ليست جينية بقدر ماهي نتاج بيئات مختلفة أتت نتيجة لتراكمات تاريخية كان للأوضاع السياسية والاقتصادية دور في خلقها … في العالم العربي المسؤول يكذب والمواطن يكذب .. المدرسون يكذبون على أولياء الأمور بأن أبناءهم عباقرة زمانهم والطالب يكذب على أبيه بأنه من الأوائل ..كذلك البائع يمدح سلعته كذباً ورجل الإعلام يكذب على الجمهور والناس تتناقل المعلومات الخاطئة فيما بينها والشائعات دون أن تتعب أنفسها للتأكد من صحتها والطبيب يكذب على المريض ليبتزه بالخضوع لإجراءات ترهقه مادياً وأسوأ أنواع الكذب عندما يستغل بعضهم الدين كوسيلة يتربح منها ويصدر للناس الفتاوى لكي يجيز أمراً محرماً شرعاً. والسؤال ..هل نحن الوحيدون من الشعوب الذين يجد الكذب لدينا بيئة خصبة ؟ وكيف يمكننا التخلص من هذا السلوك المريض والمتخلف ؟ إذا كانت نظريات الإعلام تقول اكذب اكذب حتى تصدق أو اجعل الكذبة كبيرة لتكون مقنعاً فهذا في الواقع ليس سوى تدمير لكل شيء في الحياة المجتمعية وعلى مستوى الدولة ..فليس هناك أفضل من المصارحة والشفافية بدءاً من تربية الأبناء والتعامل معهم وانتهاءً بتعامل الدولة والمسؤول ..فإذا كان التربوي والمسؤول يعتقد بأن الكذب سوف يقنع بما هو غير حقيقي فلابد أن يعلم أن وسائل الاتصال والتواصل أصبحت تكشف كل الخفايا فلا حل غير المصارحة والشفافية وقول الحقيقة حتى وإن كانت ناقصة قليلاً .