تسكنه الصحافة.. تفتنه عناوين الحصافة.. عانق المسؤولية باكراً.. سابق النجاح مبكراً.. كان ينهي واجباته الدراسية في الثانوية نهاراً كي يسهر ليلاً ليسرد الكلمات ويُفرد العبارات.. واضعاً عيناً على كشكوله الصغير وأخرى على خارطة المستقبل.. لا يحتاج شخص مثل عبدالرحمن الراشد صفة اعتبارية، فهو رمز إعلامي، وتحتار المسميات في تصنيفه المهني؛ فهو خبير المطبخ الصحفي وسفير الصحافة وشهير الإعلام، يملأ المكان أينما حل ويشغر الموقع حيثما ارتحل.. نهل من جداول فكره باكراً عندما كان صحفياً صغيراً في بلاط مدرسته في الأنشطة اللامنهجية واضعاً له نهجه الخاص، الذي جعله يطل على نافذة واسعة واتساع نافذ، فطار في بعثة دراسية لأمريكا ليسابق الأمريكان في الإنتاج السينمائي الذي درسه في الجامعة راسماً خطاً فريداً من التعلم. ولأنه عاشق للصحافة سامق في حيثيات القيادة تولى إدارة مكتب صحيفة الجزيرة في أمريكا، خمس سنوات مُثلى، سطر فيها إبداعات صحفية وأبهر كبريات الصحف بحوارات وانفرادات اقتنصها من قلب الأحداث، ثم توجه بعدها إلى عاصمة الضباب لندن لينال منصب نائب رئيس التحرير في مجلة المجلة، وبعد عامين من النجاح تولى رئاسة تحريرها حتى عام 1998 عندما كانت صحيفة بقامة الشرق الأوسط تبحث عن عراب ورئيس تحرير بصفات سياسي، وقيادي بمواصفات ريادي، فرأس تحريرها حتى العام 2003، وخلال تلك الحقبة صنع الراشد مساراً جديداً للصحافة الدولية، وكان مطمعاً لكل القنوات الفضائية ووكالات الأنباء لأنه حوَّل الشرق الأوسط آنذاك إلى صحيفة في الصباح ومجلة في المساء وكتاب بعد مرور يوم العدد. وكعادة مجموعة إم بي سي، كانت تبحث في أوراق المبدعين وفي سير المنفردين، فتولى الراشد إدارة قناة العربية الإخبارية وبعد تسلمه زمام المنصب الجديد كان الراشد يتجه يومياً إلى مكتبه في مدينة دبي للإعلام قيادياً بارزاً هارباً من شهرة الشخصية ليصنع شهرة الإنتاج، تقدمت العربية كثيراً صف الإعلام الفضائي وأبت أن تكون وصيفة وشرعت للعالم منهجاً بالغاً في الاحترافية من متابعة الحدث، وكان الراشد يصفق من خلف جيوش المراسلين وصنَّاع التغطيات واضعاً على أوراقهم وفلاشات كاميراتها: العربية أن تعرف أكثر، وفعلاً قاد العربية لأن تنطلق في فترة وجيزة لتصنع الفرق وتبرز الفارق. الراشد شخصية قدمت الكثير والمثير في الإعلام المكتوب، مقالاته توصف بالمناهج وبأنها خلطة سرية ناجعة وناجحة لتحليل مجريات الأحداث، يتميز بأدب جم وتواضع مركَّب من البساطة والانبساطية، قيادي يجيد لعب دور الصناعة الإعلامية، مسؤول دقيق في العمل وأكثر دقة في إعانة موظفيه وتلبية مطالبهم مهنياً وإنسانياً، الراشد صاحب منصب يعيش الدور بكل تفاصيله، ففي استوديوهات العربية تجده في كل المكاتب وتلمحه برفقة المعدين وتلمسه عنواناً جريئاً في كل تقرير وروحاً فارضة للإبداع الحواري فارضة للمنهج التقني في كل تفاصيل العمل. الراشد درب كثيراً من القياديين في القناة وحولها إلى مدينة إعلامية وإقليم فضائي، وتطورت العربية فتمخضت عنها قناة العربية الحدث، وباتت العربية مطمعاً إعلامياً ومطمحاً سيادياً في عالم الحدث وتغطيته وقراءته على مدار الساعة من البداية وحتى بعد النهاية. خطبت وده الألقاب فنال لقب الإعلامي الأكثر تأثيراً ونفوذاً في المنطقة العربية والعالم في مجلة أربيان بيزنس، والتاسع ضمن 100 شخصية عربية نافذة في التصنيف العام للفئات المهنية، وحصل على وسام التميز لأكثر الشخصيات تأثيراً في العالم من المجلس الدولي لحقوق الإنسان، يتيقن الراشد دائماً بأن منتقديه في سيرته كانوا يقفون خلفه، فكان يتجه للأمام دوماً رادَّاً عليهم بخطوط القلم ومسارات الفكر. يمتلك الراشد شركة للإنتاج الإعلامي متخصصة في الأفلام الوثائقية والتاريخية والفنية، وبالأمس وصل الإصرار مداه في القبول عندما قبل رئيس مجموعة إم بي سي استقالة الراشد بعد إلحاح وإيضاح بترك العمل لظروفه الشخصية، وغادر الراشد كشخص عَبَر من هناك ولكن العربية لم تفقده؛ ففكره يشع بين جنباتها، وعقليته تسطع في أروقتها، وأنفاسه المهنية تخرج من بين أوراق التقارير، وتوجيهاته تتصاعد من خلف الاستوديوهات، ونداءاته تتردد في أسماع قياديي القناة، وصدى اجتماعاته يثير حزناً مثالياً على مغادرته، ولكنه يتحول لفرح دائم عندما توظَّف الأهداف رغم مغادرة صانعها. وأبت الدار إم بي سي أن يغادر ابنها، فقد اعتادت منه البر واعتاد منها التكريم والتقدير ومعرفة المعروف، فقد تم تعيينه عضواً في المجموعة، فغادر الراشد شخصاً وأقبل كموسوعة إعلامية يتنقل صداها ومداها بين كل مكان تولى قيادته ولدى كل من عمل معه وتدرب على يديه.