في مقابلة مع وكالة « أسوشيتد برس «- يناير الماضي- قال الأمير تركي الفيصل، الرئيس السابق للاستخبارات السعودية: إن صندوق باندورا قد يفتح في الشرق الأوسط إذا لم يصبح خاليا من أسلحة الدمار الشامل، لأن سباق التسلح النووي لن يكون في صالح أحد، مؤكدا علي أن السعودية ليست الدولة الوحيدة في هذا الصدد، فهناك دول أخرى سعت للحصول عليه منذ عام 1960 مثل مصر، إضافة إلى تركيا وسوريا والعراق. كلام الفيصل يجب ألا يقرأ بعين واحدة، لأن السلام العالمي أو بالأحرى الخوف من ( الدمار المتبادل )، في مرحلة الحرب الباردة تحقق بسبب التوازن النووي بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، الهند والباكستان إضافة إلى كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية. وبالتالي فإن الشيء الوحيد الذي يضمن السلام في الشرق الأوسط في حال حصول إيران علي السلاح النووي هو حصول جيرانها علي نفس السلاح بالمثل. اللافت للنظر أن تصريحات الفيصل أيقظت الخلاف مجددا بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما وبرنت سكوكروفت مستشار الأمن القومي الأمريكي في الفترة من 1974-1977 في عهد الرئيس جيرالد فورد، وخلال الفترة من 1989-1991 أثناء رئاسة جورج بوش الأب، فضلا عن رؤساء جمهوريين آخرين، من ريتشارد نيكسون إلى جورج بوش الابن. سكوكروفت يرفض إستراتيجية أوباما التي أعلنها في براغ إبريل 2009، والتي تتمثل في إقامة عالم خال من الأسلحة النووية، والتي ثبت فشلها مع إسرائيل وإيران حتى الآن، ويرى أن الأفضل هو تحديد شكل الترسانات النووية في العالم، بطريقة تردع استعمالها على الإطلاق. وجهة نظر سكوكروفت، تتلخص في: أننا لن نتمكن أبداً من الوصول إلى نقطة الصفر (زوال الأسلحة النووية تماما)، وفي نفس الوقت لن نستطيع محو معرفة كيفية صنع الأسلحة النووية، ناهيك عن أنه في عالم خالٍ من الأسلحة النووية فإن عدداً ضئيلاً جداً من الأسلحة النووية قد يصنع فرقاً هائلاً، وبالتالي سوف يكون عالمنا غير مستقر إلى أقصى حدّ. لذلك يجب تركيز الاهتمام بدلاً من ذلك، علي تغيير صفات الترسانات النووية بطريقة تجعل من غير المحتمل أن يتم اللجوء إلي الأسلحة النووية أبداً عند حصول أزمة. فأحد المخاوف خلال حدوث أزمة ما، هو أنه باستطاعة من يضرب أولاً تدمير كمية كافية من أسلحة عدوه بحيث يمكنه البقاء في حال حدوث ضربة انتقامية مضادة. من الممكن ترتيب صفات ترسانة أسلحة كل طرف بحيث يصبح هذا الأمر غير محتمل أو غير ممكن. إستراتيجية سكوكروفت هي البدء أولاً بتخفيض الترسانات النووية للولايات المتحدة وروسيا وتشمل لاحقاً الدول النووية الأقل قوة، مع عقد معاهدات ملزمة تتزامن مع التخفيضات التي تقوم بها الدول الرئيسية، لمنع حصول دول جديدة علي أسلحة نووية. والمعاهدات في جوهرها -حسب تعبيره – نوع من اللعب بالنسب المئوية، وبغض النظر عما إذا كان الهدف هو نزع تام للأسلحة النووية أو وجود أسلحة نووية لن تطلق أبداً، فقد نصل إلى النتيجة نفسها: عدم استعمال الأسلحة النووية أبدا. أهم ما في كلام سكوكروفت: إذا فشل المجتمع الدولي في التعامل مع أزمة النووي الإيراني، سيواجه مشكلة ضخمة؛ لأنه إذا نجحت إيران في تخصيب اليورانيوم، عندئذ قد تكون النتيجة بروز مجموعة من الدول التي لا تريد بالضرورة أسلحة نووية، ولكن تريد أن تكون مستعدة (إذا احتاجت إليها) للتعامل مع إيران، مثل السعودية وتركيا ومصر في المنطقة، وغيرها في مكان آخر، وهذا هو حقهم الطبيعي، وعندئذ سنواجه عالما أصعب بكثير. إيران، برأيه، أخطر من كوريا الشمالية، بسبب طبيعة منطقة الشرق الأوسط. من هنا يجب إقناع الإيرانيين بأن الاستمرار في تخصيب اليورانيوم محلياً في إيران، سواء كان أو لم يكن هدفهم الحصول علي قدرات لصنع الأسلحة النووية، سوف يؤدي إلى تخفيض أمنهم وليس زيادته. خاصة أن الدول الأخرى في المنطقة ستتبعها بالضرورة، وتكون النتيجة بروز بيئة أكثر تهديداً في ذلك الجزء من العالم. العرض العملي الذي يقترحه، هو: إعداد نظام جديد حيث تضمن الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) تزويد اليورانيوم المخصب لاستعماله كوقود لمفاعلات الطاقة دون حق النقض، طالما أن إيران تتقيد بقواعد الوكالة الدولية للطاقة الذرية. حيث يمكن تزويد ذلك اليورانيوم المخصب بأسعار لا يمكن لإيران أن تضاهيها عبر التخصيب المحلي.. ثم تسترجع الوكالة الدولية للطاقة الذرية الوقود المستهلك. لكن يبدو أن الأمير تركي الفيصل، قطع الطريق على كل من أوباما وسكوكروفت معا، بقوله: «إن المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، تدرس بعناية كل الخيارات المتاحة، بما في ذلك خيار الحصول علي أسلحة الدمار الشامل، لأننا ببساطة لا نستطيع أن نترك شخصا آخر يتخذ قرارا يخصنا أو نيابة عنا».