اخترت الحديث عن فئة الممرضات من ضمن الطواقم الفنية النسائية العاملة في المجال الطبي، لأنهن يمثلن العدد الأكبر والدور الأخطر في رعاية المريض، فالحديث عنهن يقتضي بالضرورة الحديث عن غيرهن من العاملات في المختبرات والأشعة والصيدلة وغيرها. تعرضت الممرضة السعودية في تاريخها الذي نفخر به وبما قدمت خلاله إلى إشكالات حقيقية تمثلت في عيوب بالتكوين المهني والأداء الفني، كان سببه الأساس الواقع الإجتماعي والنظام الوظيفي. فالواقع يكمن في وجود غير السعوديات اللاتي قمن -بطريقة غير مقصودة- بالتغطية على هذه العيوب، وتم هذا في غيبة التخطيط والمراجعة والاستشراف من قِبل المنوط بهم فعل ذلك. أما النظام فقد بقي على جموده يحل المشكلات الجديدة بطرق قديمة. لو سألنا مديري العموم في المناطق ومديري المستشفيات عن أكثر الطلبات المقدمة لهم، لأجابوا فوراً بأنها طلبات النقل والتسرب الفني لفئة الممرضات، لنسأل: لماذا؟ ولو سألنا الواقع المهني عن وجود ممرضات بلغن الأربعين أو كدن، وهن مازلن يعملن في المستشفيات وبنظام الفترات النهارية والليلية، ويمثلن القدوة والخبرة لتدريب غيرهن لاقتربت الإجابة من الصفر، بل هي كذلك؟! والسؤال ماذا يحدث ولماذا؟؟ من إشكالياتنا في النظر لأمورنا وهمومنا أننا نختزل المشكلات في اتجاه واحد يوجِد زخماً من النقاش تختفي وراءه المعاناة الحقيقية، كما يحدث عند النقاش عن الممرضة السعودية، ونختزل الأمر في نظرة المجتمع، لتقوم حرب بين طائفتين تنتهي بتحقيق شهوة الجدال والنصر على حساب القضية. ومن عيوبنا أن بيئتنا الإدارية في كل قطاعاتنا الحكومية هي بيئة مفتوحة على الثقافة الشعبية، وليست مغلقة على الثقافة المهنية، ليختلط الحابل بالنابل على مستوى مؤسسي وفردي، وعندما يحدث ذلك في حق الخدمة الطبية ذات الطبيعة الخاصة، فإن النتيجة أكثر سوءاً ولا شك. ومن مساوئ التطبيق الإداري للنظام أننا لم نجعله صانعاً للشخصية المحترفة ومقصياً للذاتية، فتتغول النوازع الفردية في كل اتجاه خاطئ. كل هذا وغيره من (الخلل في التفكير) يُلقي بظلاله على هذه الفئة عند إسقاطه على الواقع الصحي، لتؤول الأمور إلى هذه الحالة من التذمر وعدم الرضا الذي يستوطن الممرضة السعودية، وإلى هذا الضعف المهني الظاهر عليها، لتصب تلك الفوضى جام غضبها على المريض المسكون ألماً فوق سرير يُدَّعى أنه أبيض. وبعد هذا التنظير تعالوا إلى إطلالة على الواقع، تكلف الممرضة السعودية مع زميلتها الأجنبية في العمل بوحدات العناية المركزة، فتحصل الممرضة المقيمة على بدل خاص بأقسام العناية وتحرم منه الممرضة السعودية، لتتسرب الممرضات السعوديات بعد فترة من هذه الأماكن الحساسة، ونفتقد تكوين خبرات تخدم المريض وتدرب المستجدات مستقبلاً. وهنا أدعو وزارة الصحة إلى مراجعة معايير بدل التميز وربطه بالإنتاجية لحل مثل هذه الإشكالات. لا يوجد نظام يراعي البعد الاجتماعي للممرضة المتزوجة أو تلك الحامل في أشهرها الأخيرة، لتلزم بنفس الوصف الوظيفي الذي قد يصطدم بالحمل وتبعاته، فنظام الإجازات والعمل الجزئي لابد من مراجعته في ظل المتغيرات الاجتماعية والفيزيولوجية التي تمر بها المرأة. يحفل الواقع –مع الأسف- بحلول اجتهادية لهذه الحالات يستفيد منها من يملك (قوة ما)، لتكون النتيجة فقدان الكفاءة المهنية وتسربها إلى عمل إداري أو النقل إلى المراكز الصحية حيث العمل النهاري الدائم، وهنا إشكال آخر في التساوي الحقوقي المالي بين فئة تعمل في ظروف اجتماعية ومهنية ملائمة، وبين فئة تعمل في المستشفيات بنظام الفترات الذي يربك الحياة ويقتضي استعداداً من نوع خاص. يمكن اختصار السلبيات السابقة بغياب (عدالة النظام) وبغياب معايير (التدرج المهني) الذي يراعي تقدم المرأة في السن واستحقاقه الاجتماعي. التدريب، وضوابط التكليف، والتعيين في المناطق النائية والنقل هموم أخرى لا يزال النظام الحالي يتعامل معها بطريقة غير خادمة للواقع المهني ومتغيراته. تتقاطع بعض هموم الممرض الرجل مع أخته الممرضة، والجميع ما زال ينتظر.