لا أحب الحديث بنَفَسٍ طائفي، وأكره ما أكره تقسيم الناس هذا سني وهذا شيعي، ولم يسبق لي أن حرصت على معرفة مذهب أحد، و لا طائفة أحد، لأن السعوديين في نظري على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم مواطنون من الدرجة الأولى، لا فرق بينهم إلا بمقدار ما يقدمه للوطن، لهم ما لك وعليهم ما عليك، لكنك أحياناً تضطر إلى أن تتحدث في أشياء ما كنت تحب الحديث عنها، وتشعر أنك بحاجة إلى أن تفتح أبواباً ماكان يجب أن تُفتَح، لولا الحاجة إلى تنقية المكان من الغمر والتلوث، فكل ما يضرُّ بالوطن يُفترَضُ أن نقف صفاً واحداً في مواجهته، ويجب أن تنصهر كل مكونات الشعبِ في قالبٍ واحد حين تنزل بالوطن نازلة، وإلا كانت الوطنيةُ مجرد شعار أجوف ليس له معنى، فلقد تعلمت أن كل مصلحة خاصة وانتماء فرعي وألم شخصي يزول حين يتعرّض الوطن لهجوم خارجي يستهدف أمنه ووحدته واستقراره، وأن كل يد تعبث بأمن الوطن يجب أن تقطع، فالمجرم مجرم بغض النظر عن هويته، والطلقة قاتلة سواء أطلقها سني أو شيعي، وليس عدلاً أن تتعامل مع الفعل الواحد على أنه إرهابٌ إذا كان موجهاً من غيرك إليك، وضرورةٌ إذا كان موجهاً منك إلى غيرك، فالتطرف السني يواجَه بحرب لا هوادة فيها من السواد الأعظم من السنة، ولا يُبرَرُ إلا على استحياء ومن فئة قليلة يُنظَر إليها على أنها غيرُ معتدلة، كما أني لا أعرف متطرفاً سنياً قام بعمل إرهابي أو مواجهة مسلحة مع رجال الأمن فصدر بحقه حكم قضائي، ثم وجد هذا الحكم معارضة من أحد، كما أن هذه الأحكام تجد دعماً وتأييداً من المثقفين والنخب، ففي أعتى الديمقراطيات في العالم تُستخدَم الأسلحة الحية ضد من ينزع إلى التطرف ويميل إلى العنف، في حين كنت أتمنى أن يجد المتطرفون الشيعة رفضاً أكبر من المجتمع الشيعي، وأن تواجَه أعمالهُم بالرفض والتجريم من المثقفين والنخب، فما زالت أصوات إخواننا الشيعة خافتة، ترنو ولا تدنو، تختلس النظرَ ولا تتقدم للمواجهة، حتى أنَّ بعضَهم لَيقولُ مُحِقاً في المتطرفين السُّنة أشنعَ الألفاظ، وأشدّها إغراقاً في البذاءة، وأدلّها على أبشع المعاني وأقبح الصور، في حين أنه يتردد في نقد التطرّف الشيعي، ويُكثِر من قول لكن حتى في المواجهات المسلحة مع رجال الأمن!، فكل من يأخذ جولة على وسائل التواصل الاجتماعي ويطَّلِع على أعمال (نمر النمر) يدرك أنه وصل إلى أعلى درجات التطرّف، وأنه لو كان في بلد قمعي مستبد كإيران لأُعدِم هو ومن معه منذ سنين، كما فُعل بعرب الأحواز الذين أُذيقوا صنوف العذاب بسبب عروبتهم، ونُصبت لهم المشانقُ لمجرد أنهم طالبوا بأبسط حقوقهم، لكن الدولة هنا صبرت عليه أكثر مما يجب، وتعاملت معه كمريض نفسي، إلى أن وصل إلى حد المواجهة المسلحة مع رجال الأمن والتحريض على الدولة، ومع ذلك لم نجد النقد بما يكفي من داخل الطائفة نفسها، والمشكلة أن هذا الصمت استُغِلَ من قبل جهات خارجية، في محاولة يائسة للنيل من وحدتنا، ومن أطراف تُمارس الطائفية بأقبح صورها، حتى إن قانون دولة الفقيه ينص على أن السُّني يُحكَم عليه بالقتل إذا ما قتل شيعياً مهما كانت المبررات!، كما أن الميليشيات الشيعية العابرة للحدود – بتوجيه من دولة الفقيه – لتُساعِد أكبرَ جلادي هذا العصر على إبادة شعبه، وقتل الأطفال والشيوخ والنساء بالبراميل المتفجرة، في حين تتحدث إيران وعملاؤها في المنطقة وعلى رأسهم حسن نصر الله بمقتٍ عن الطائفية، ذارفين دموع التماسيح على الإنسانية المضيعة والحقوق المسلوبة!، بشكل مقزز لا تملك معه إلا أن تقول : (انظروا من الذي يتكلم!)، فالسيد المقاوم العظيم بدأ يتعرّى إلى أن أسقط عن نفسه كل أوراق التوت التي كان يستتر بها؛ من شعارات المقاومة والممانعة!، وصار يتصرف كعميل آمِن في بلد مغلوب على أمره، فلا يرى وجوده في لبنان إلا طارئاً، وبدأ حزبه يتصرف كدولة داخل الدولة، حتى إذا ما أحال لبنان إلى رماد، وقتل ما قتل، و دمَّر ما دمَّر، وحلَّقت الغربان في سماء بيروت إيذاناً بالخراب، غادر إلى دولة الفقيه، إلى حيث تُجبَى أموال البؤساء والمحرومين، إلى بلدٍ يُقبِّلُ أبناؤه حبالَ المشانق خلاصاً من العذاب!.