الشباب من الذكور والإناث، لهم علينا حق النصح، كيف لا يكون ذلك وهم أبناؤنا الذين نحبهم، ونتمنى لهم حياة كريمة، وبما أنَّ الحديث إليهم يطول، فأختصر هذه النصيحة في مقدمة ووقفات، وأسأل الله أنْ ينفع بها: اعلموا أيها الشباب أنَّكم في زمنٍ تكثر فيه الصراعات، والقوميَّات، والحزبيَّات، وتتلاطم فيه أمواج الفتن، التي تستشرف لمن يستشرف لها، وتقذف بمن يرتمي في ساحتها، حتى تهلكه أو يسلم منها برحمة الله وفضله، فاستيقظوا، ولا تغفلوا عن كيدِ عدوِّكم ومكره، والحذر من أنْ تكونوا أداة للأعداء يوجِّهونكم أنَّى أرادوا؛ خدمةً لتنفيذ مخططاتهم. وإليكم أقفُ وقفات: الوقفة الأولى: أهمية الالتفاف حول ولاة أمور المسلمين وعلمائهم، فإنَّ يد الله مع الجماعة، عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يَدُ اللَّهِ مَعَ الجَمَاعَةِ»، أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب. وقال ابن الأثير: «يد الله مع الجماعة»، «هو كناية عن الحفظ. أي أنَّ الجماعة المتفقة من أهل الإسلام في كنف الله، ووقايته…». الوقفة الثانية: عدم نشر قالة السوء في ولاة أمور المسلمين وعلمائهم، وأهميَّة التيقظ لهذا المزلق العظيم، فإنَّ غيبة الأمراء والعلماء، حرامٌ؛ لعموم الأدلة من الكتاب والسنة على تحريم الغيبة، والحذر من السعي بالنميمة فيهم. قال العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-: «لا يجوز لنا أنْ نتكلم بين العامة فيما يثير الضغائن على ولاة الأمور، وفيما يسبب البغضاء لهم؛ لأن في هذا مفسدة كبيرة، قد يتراءى للإنسان أنَّ هذه غيرة، وأنَّ هذا صدعٌ بالحق؛ والصدع بالحق لا يكون من وراء حجاب، الصدع بالحق أنْ يكون ولي الأمر أمامك، وتقول له: أنت فعلت كذا، وهذا لا يجوز، تركت هذا، وهذا واجب». وكذلك فإنَّ كل وسيلة تسعى إلى تفريق المسلمين، فهي هدف من أهداف الأعداء لإضعاف الأمَّة الإسلاميَّة زيادة على ضعفها، مستغلِّين مصطلح الحريَّة الذي يسلكون فيه مسالك متعدِّدة، فيقع من يقع في شَرَكِ شباكهم، جهلاً واغتراراً، وغفلةً وإصراراً، فيكونوا أداةً يوجهونها متى أرادوا، حرباً على الإسلام وأهله، فاحذر أيها الشاب واحذري أيتها الفتاة أنْ تكونوا صيداً سائغاً لأعداء الأمَّة الإسلاميَّة. الوقفة الثالثة: إنَّ عليكم أيَّها الشباب أنْ تكونوا خدَّاماً للإسلام، داعين إليه، مدافعين عنه بما استطعتم، مستشعرين للأمانة الملقاة على عواتقكم، فإنَّ عزَّكم بالإسلام، ولن تقوم لكم حضارة إلا به، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: «نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلَّنا الله». الوقفة الرابعة: أهمية مصاحبة التقوى في جميع شؤونكم، ونبذ العصبيَّة والهوى، والتقرب إلى الله تعالى بعبادته كما شرع، والحذر من اقتراف الآثام والموبقات، والتوبة إلى الله منها، فإنَّ التوفيق كله، والسعادة بحذافيرها، لا تكون إلا بتقوى الله والتزام شرعه ومنهاجه. الوقفة الخامسة: الاهتمام بطلب العلم الشرعي، والجثوِّ بالركب عند العلماء في حِلَقِ الذكر، فإنَّ في تعلم العلم الشرعي فضلاً عظيماً، لا يوازيه علم آخر في الفضل، فاحرص أيها الشاب وأيتها الفتاة على تحصيل العلم الشرعي، والعمل به، وتعليمه للناس. الوقفة السادسة: الحذر من الانضواء تحت المظلات الحزبية؛ لمخالفاتها الشرعية، فإنَّ الحزبيات لا تأتي بخير، بل فيها تفريق لكلمة المسلمين؛ لأنَّ الإسلام أمر بالجماعة ونهى عن الفرقة، ومخالفة الجماعة، والجماعة لا تكون إلا بإمام، والإمام هو حاكم المسلمين، من ملوك ورؤساء، ومن رأى من إمامه شيئاً يكرهه، فالواجب عليه أن يصبر، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيره شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». متفق عليه. الوقفة السابعة: أهمية فقه تعامل الراعي مع الرعية، والرعية مع الراعي، وفق ما دلَّت عليه نصوص الكتاب والسنة، بفهم سلف الأمة، فإنَّ الإسلام كامل، لا يأمر إلا بخير، ولا ينهى إلا عن شرٍّ. الوقفة الثامنة: اعلم رحمك الله أنَّ في بلادنا علماء ثقات من البقية الباقية من تلامذة سماحة مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله- وتلامذة سماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- وسماحة شيخنا محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- الذي أبقى علماً غزيراً مسموعاً ومكتوباً، فيه فائدة عظيمة لمن قرأ كتبه، وسمع أشرطته، ومن خيار العلماء في هذا الزمن سماحة المفتي العام الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ -حفظه الله- والشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله- والعلامة الشيخ صالح اللحيدان -حفظه الله- وغيرهم من كبار العلماء، فالزم غرزهم وأفد مما ورَّثوه من علم. الوقفة التاسعة: الحذر من المتعالمين الذين لا يتورعون عن الإفتاء، ويتجرؤون على القول على الله بلا علم، الذين كثروا في هذا الزمن، وانتشرت فتاواهم عبر مشاركاتهم في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، فذاع صيتهم عبرها، فلبَّسوا على الناس، وبثوا شبهاتهم، ودسُّوا سمومهم، وقدموا عقولهم على نصوص الكتاب والسنة، فما قبلته عقولهم من تلك النصوص قبلوه، وما لم تقبله رفضوه وعارضوه، فخالفوا شرع الله، وآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض، وهؤلاء كثرٌ لا كثرهم الله، يجب التحذير منهم وبيان ضلالهم وزيغهم، حتى يحذرهم المسلمون. الوقفة العاشرة: الحذر من الخوض في تصنيف الناس بين الظن واليقين، والحذر من اتهام الناس في نياتهم، وتصنيفهم افتراء وكذبا، والحذر من تتبع الزلات، وتلقف العثرات، وخطورة التفكه بها في المجالس، مع أهمية محاسبة النفس، وإصلاح ما بها من عيوب، فإنَّ في إصلاح عيبك شغلاً عن تحدثك بعيوب الآخرين. الوقفة الحادية عشرة: الحذر من أنْ تكون إمَّعة، تردِّد كلام غيرك، وتأخذ برأي غيرك، وتتعصب لذلك، بل الواجب عليك أنْ تعرض أقوال الرجال على القرآن الكريم والسنة النبويَّة المطهرة، وتبني رأيك عليهما، حسب فهم سلف الأمَّة من الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم-. الوقفة الثانية عشرة: عدم الاندفاع والعجلة في اتخاذ القرارات والمواقف، بل الواجب التأني في ذلك، ودراسة ذلك من جميع الجوانب، مع استصحاب الرفق والحلم واليقظة والفطنة؛ كي لا تندم على أمر اندفعت إليه، وتعجَّلت فيه، والحذر مما يبث من الأخبار المتداولة التي لا يعلم صدقها من كذبها خصوصاً في مواقع التواصل الاجتماعي، مثل تويتر، وفيسبوك، وغيرهما؛ لما فيها من رواجٍ للشائعات، ونشرٍ للشبهات، وسوقٍ للكذب، والظلم، والبهتان. الوقفة الثالثة عشرة: الحذر من العصبيَّة القبليَّة، وخطورة الطعن في الأنساب، والفخر بالأحساب، فإنَّهما عادتان من عادات الجاهلية التي نهى عنها الإسلام، وحذَّر منهما الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ) أخرجه مسلم. إضاءة: لن نزال بخير ما كان التناصح بيننا، والرفق والأناة والحلم أخلاقاً نتخلق بها، ولن يعود للإسلام وأهله عزٌّ وقوة، إلا باعتصامنا بالكتاب والسنة، وفق فهم سلف الأمَّة. وأسأل الله أنْ يحفظكم يا شباب ويا فتيات الإسلام، وأنْ يعزَّكم بالإسلام، ويُعزَّ الإسلام بكم، وغفر الله لي ولكم.