أسرع الخطى هرباً من حرارة الشمس الحارقة ودخل ذلك المركز التجاري الشهير بوسط المدينة. توقف خلف البوابة يستنشق نسيم المجمّع البارد الذي رد الروح إلى ذرات وجهه الذابلة. خلع نظارته الشمسية السوداء ومسح بمنديل ناعم أطراف عينيه التي أغرقها العرق. بعد لحظات من بدء نقاهته السريعة وبعد تعافيه من موجة الهواء الصيفية اللافحة التي تعرض لها منذ نزوله من باب سيارته العائلية إلى دخوله بوابة المجمّع التجاري، رفع عينيه المثبت بهما منظار دقيق لترصد أجساد النساء وبدأ رحلة الصيد اليومية التي يعشق. كان قد نذر حياته في التسكع في الأسواق وملاحقة النساء بحثاً عن نوع خاص منهن. راح يمشي بين المحلات التي اختصت معروضاتها في العطور والمكياج والفساتين ويتلكأ في الانتظار أمام المخصص منها للعائلات والنساء. انطلق أزيز مزعج من عينه اليسرى التي راحت تهتز وهي تمعن النظر في إحدى النساء التي ارتدت عباءة نسائية سوداء مطرزة بوردات صفراء فاقعة وتحمل صاحبتها حقيبة مماثلة اللون في محاولة منها للفت الأنظار كما اعتقد. أسرع الخطى نحوها ولكنه توقف في منتصف الطريق عندما انضم إلى صاحبة العباءة الصفراء رجل في الأربعينيات من عمره يرتدي البنطال والقميص ويحمل ملامح عربية. لفت نظره فتاة ترتدي عباءة محتشمة وقفازات وقد أسدلت «شيلتها» فوق نقابها وهي تتحدث مع شاب يرتدي الجينز و«التيشيرت». انطلق فجأة طنين حاد من عينه اليمنى التي لم تهتز كصاحبتها وإن استمرت في تصدير ذلك الصوت المزعج. جحظت عينه وعلت ملامح الصدمة قسمات وجهه للحظة ثم استبدلها بابتسامة خبيثة تشبه التجسيد الروائي لضحكات الشيطان. كان ينظر بفرح إلى تلك الفتاة التي ارتدت عباءة ضيقة بدت أشبه بفستان سهرة وزهدت بتغطية وجهها بلثام صغير زاد من فتنتها التي زينتها بمكياج عيون استخدمت به اللون الأزرق المموج مع لمعة فضية براقة. تجمد للحظات وهو يطالع الفتاة التي توقفت عند كشك لبيع مستلزمات الشعر وراحت تتحدث مع البائع «الشامي» قبل أن تشتري منه جهازاً لتجفيف الشعر وتمضي بطريقها إلى محل للمكياج مخصص للنساء فقط وهي تطرق الأرض بكعب حذائها العالي. انطلق خلفها وهو سعيد بإيجاده لصيد ثمين وراح ينتظر أمام المحل لدقائق بتململ. راح يسلي نفسه بمطالعة النساء اللاتي يدخلن ويخرجن من المحل ويتأمل تفاصيلهن، هذه فتاة مراهقة تتسوق مع والدتها وكاشفة لوجهها، وهذه فتاة أظهرت بنطال الجينز من خلال فتحة طويلة بعباءتها، وهذه امرأة أجنبية سقط غطاء رأسها ليكشف عن شعرها الأحمر المجعد. خرجت صاحبة اللثام من المحل فجأة وانطلق نحوها بسرعة إلا أنها تجاهلته وأكملت طريقها إلى محل نسائي لبيع المجوهرات وهي تتحاشى نظراته وتسارع خطاها. فشل في الانتظار هذه المرة أمام المحل وقرر اقتحامه لمواجهة صيد اليوم الثمين صاحبة اللثام والعيون الكحيلة.