لا تستكثر بعض الشركات الكبرى على نفسها أن تقف مع المجتمع، وتسهم في دعم برامجه المختلفة، إيماناً منها بإيجاد تواصل مستمر وإقامة ما يمكن تسميته دورة اجتماعية تحقق أحد الأهداف التي تسعى لتحقيقها من خلال رد الجميل. وفيما تسعى هذه الشركات للقيام بواجبها، تتنصل أخرى عن ذلك دون إبداء أي مبررات، فهي تكتفي عادة برفض المشاركة في الفعاليات الاجتماعية، ودعم مسيرة العمل الخيري من خلال عدم تجاوبها وعدم ردها على العروض والأفكار التي تقدم إليها. وفي كل الأحوال يظل الدعم المقدم مقارنة بعدد الشركات الرافضة هو الحد الأدنى؛ حيث تتعطل بعض الفعاليات الاجتماعية، فيما تسير أخرى على استحياء. ففي الجبيل على سبيل المثال، أدركت شركات كبرى مسؤوليتها نحو السعي إلى زيادة الوعي بمفهوم المسؤولية الاجتماعية، ومفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص في هذا المجال ومنها شركة سابك وشركة صدارة للبتروكيمائيات وسبكيم والتصنيع والصحراء، وغيرها من الشركات الكبرى العاملة في المجال الصناعي، ولتحديد وتقييم أولويات المجتمع واحتياجاته المطلوبة من كلا القطاعين، لتفعيل الدور الريادي في خدمة المجتمع وإحداث نقلة نوعية في الأثر الإيجابي الذي ستحققه هذه الشراكة على الصعيد المحلي والوطني. وتهدف المسؤولية الاجتماعية إلى توضيح فوائد ومزايا الشراكات بين هذين القطاعين، لتكون قاعدة لتأسيس شراكات جديدة بينهما. بينما في الطرف الآخر ثمة قصور في دور البنوك تجاه المسؤولية الاجتماعية والتنمية المستدامة للمجتمع، وذلك بالمقارنة مع ربحيتها الكبيرة.. ولطالما تحدث كثير من الجهات الاجتماعية عن ضعف دعم البنوك في هذا المجال. «الشرق» فتحت هذا الملف، والتقت بعدد من مسؤولي الشركات والجمعيات الخيرية، والعاملين في مجال الخدمة الاجتماعية، ووقفت على أبرز المعوقات التي تعترض طريقهم في مجال مسؤولية الشركات في دعم العمل الاجتماعي. في البداية تحدث المهندس صالح بن فهد النزهة الرئيس التنفيذي في شركة التصنيع ل «الشرق» قائلاً: تنطلق التصنيع من رؤية شاملة تربط بين الاستثمار في المجال الاقتصادي وما فيه من تطوير للمجتمع وتنويع للقاعدة الاقتصادية من ناحية، والاستثمار في المسؤولية الاجتماعية وتطوير الإنسان السعودي. ف «التصنيع» تنظر إلى دعم برامج المسؤولية الاجتماعية باعتبارها «استثماراً»، تماماً مثل استثمارها في قطاعات عملها الصناعية المتعددة. فهي تستثمر في الإنسان السعودي وتأهيله وتطوير مهاراته وتوعيته وعلاجه، عبر مجموعة من البرامج التي تركز التصنيع على خدمة المجتمع من خلالها. وعدد النزهة ما يقومون به من فعاليات وهي البرامج الثقافية والبرامج التأهيلية والبرامج الاجتماعية والبرامج الصحية. وقال: مجمل ما نقوم به في الشركة لا نعتبره تفضلاً ولا منة، ولكن عرفاناً منها بفضل مجتمعها عليها، وإحساساً بالمسؤولية تجاهه، وتكريساً لمفهوم الخدمة الاجتماعية في أذهان الآخرين وإيماناً بدور مؤسسات القطاع الخاص في النهوض بالمجتمع، وتفعيلاً للشراكة بين «التصنيع» وبين القطاع الحكومي ومؤسسات المجتمع المدني من أجل دعم المجتمع والحفاظ عليه. وذكر النزهة أن مجلس إدارة التصنيع خصص نسبة ثابتة سنوياً هي 1% من الأرباح السنوية لدعم برامج المسؤولية الاجتماعية، يتم صرفها من خلال التعاون مع الجهات المعنية، ويتم إدارتها من خلال وحدة متخصصة في خدمة المجتمع أنشأتها التصنيع خصيصاً بهدف دعم المجتمع الذي فيه نشأت وعلى أرضه استثمرت وأثمرت. وأضاف قائلاً: مع بداية 2014م قرر مجلس إدارة شركة التصنيع والصحراء وهي إحدى شركات التصنيع المملوكة للتصنيع بنسبة 60.45% توجيه نسبة 0.05% (نصف بالمائة) لدعم برامج المسؤولية الاجتماعية. وهذا يمثل سابقة؛ حيث تعتبر التصنيع من أوائل الشركات التي ألزمت نفسها بسلوك هذا النهج في خدمة المجتمع. من جهته ذكر المتحدث الإعلامي للجمعية الخيرية في الجبيل حمد الرقطان ل «الشرق» من ناحية الشركات الكبرى لم تقصر بالشراكة والمسؤولية الاجتماعية معنا كجهة خدمية. وقال: نحن نطمح إلى أكثر من ذلك. فعلى سبيل المثال يوجد برنامج الحقيبة المدرسية بالتعاون مع شركة سابك – برنامج سلة رمضان بالتعاون مع شركة صدارة – كسوة الشتاء مع شركة سابك أيضاً، وكذلك دعم من شركات أمثال التصنيع وسبكيم. وأضاف الرقطان قائلاً: مع كل هذا الدعم، لكن لاتزال الجمعية تعاني من ضعف في التمويل والتبرعات؛ حيث يوجد عدد كبير من الطلبات المقدمة من مستفيدين جدد للاستفادة من خدمات الجمعية يتم دراستها ولا تستطيع الجمعية تغطيتها بالكامل، ما لم يتم الدعم من الجميع والنظر للمسؤولية الاجتماعية من الشركات والبنوك في المنطقة. مؤكداً انعدام دور البنوك المحلية في تحمل أي دور أو دعم من ناحية المسؤولية الاجتماعية. لكنه قال: نتمنى في القريب العاجل أن يكون لهم دور في عجلة التنمية والاستدامة، أسوة بالشركات الكبرى التي تحرص على الوجود في المناسبات المختلفة، وهو ما يسهم في تطوير العمل الخيري والاجتماعي لكافة المؤسسات. وأكد متحدث شركة الصحراء عبداللطيف البلالي قائلاً: إن الشركة حريصة على المسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمع وإقامة الفعاليات المخلتفة للأنشطة الاجتماعية والخيرية والدينية، مثل الرعاية الشاملة لأنشطة نادي الجبيل للخطابة لمدة سنة، ويهدف هذا البرنامج إلى تنمية مهارات العرض والإلقاء لدى النشأ، وكذلك تحفيز الطلاب على المنافسة في تحقيق التفوق في مدارس الجبيل، ورعاية مهرجان جلوب البيئي لنشر الوعي للمجتمع بالمشكلات البيئية، وإقامة حفل الإبداع والتميز التربوي لإدارة الخدمات التعليمية في الهيئة الملكية، وكذلك دعم الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن ودعم الدورات الصيفية لحفظ القرآن الكريم. وأشار البلالي إلى أن دعم كل هذه البرامج هو من باب شعور الشركة بالمسؤولية تجاه المجتمع، وأن دور الشركات أن تعيد ما تستفيده من المجتمع على شكل دورة عمل اجتماعي وتبادل منافع، يقدم كل ما هو مفيد للمجتمع من خلال دعم برامج المؤسسات الاجتماعية المختلفة. وفي السياق ذاته تحدث ل «الشرق» مدير مهرجان واحتنا فرحانة في محافظة القطيف عبدرب الرسول الخميس: نحن منذ اليوم الأول الذي فكرنا فيه في إقامة فعاليات سنوية من خلال مهرجان واحتنا فرحانة كان الدعم هو هاجسنا الأول؛ لذا كانت خطتنا الأولى هي أن نتقدم للشركات الكبرى العاملة في المنطقة الشرقية لتقدم الدعم لنا، حتى نتخطى مراحلنا الأولى. وأضاف الخميس قائلاً: لم تكن هناك عقبات كثيرة في هذا المجال، رغم أننا تقدمنا هذا العام على سبيل المثال ل 50 شركة، وكان التجاوب من 4 شركات فقط. مستدركاً بأن هذه الشركات قامت بالواجب وزيادة. وعن مستوى الدعم الذي تقدمه هذه الشركات قال الخميس: إنه دعم مرضٍ إلى حد كبير. وقال: قدمت لنا هذه الشركات في مهرجان هذا العام قرابة ال 45% من التكلفة الإجمالية. مؤكداً أن هذا الدعم هو الذي يسير الفعاليات بشكل صحيح، ويمنع توقفها. وفيما إذا كانوا يشعرون بالإحباط جراء عدم تفاعل بعض الشركات التي وصفت بالصغيرة والمتوسطة، قال الخميس: أبداً لم يشعرنا ذلك بالإحباط، فقد وضعنا بالحسبان منذ البداية عدم تجاوب البعض معنا. أما عن أسباب عدم التجاوب فقال: لم تبد الشركات أي أسباب حقيقية لنا، إنها تعتذر عن الدعم فقط، رغم أننا نقدم لهم شرحاً وافياً عن البرامج وأهميتها وأننا سوف نقوم بعمل الدعاية الكافية لهم، حسب الرعايات المطلوبة، إلا أننا نعلم مسبقاً أن نسبة القبول لا تتعدى الشركات القليلة التي نتعود على دعمها سنوياً، بحيث تتغير بشكل بسيط. مشيراً إلى أن أغلب هذه الشركات لا ترغب في الظهور، رغم أننا أكدنا عليهم أكثر من مرة أهمية أن يعرف الناس الشركات التي تقف معنا، لكنهم يحرصون على تقديم الدعم بهدوء. مشيراً إلى أن بعضهم يعتذر حتى عن حضور التكريم الذي نقيمه لهم عادة في نهاية المهرجان. وأضاف الخميس قائلاً: نقوم بسد الفجوة التي تسببها هذه الشركات عن طريق الدعم الفردي، فهناك عدد كبير من الأفراد يقومون بالتبرع، رغم أن هذه المبالغ صغيرة، لكنها تكبر مع كثرة المتعاطفين والداعمين لنا، فضلاً عن المؤسسات الصغيرة التي تحرص على الوجود بمبالغ نقدية مهما كانت متواضعة، لكنها في ميزان العمل التطوعي مطلوبة. وقال: نحن نقدر ونثمن كل هذه الجهود الصغيرة، ونعتبرها مسؤولية اجتماعية جنبتنا كثيراً من المشكلات التي تواجه عادة البرامج والفعاليات الاجتماعية الكبرى. وفي الوقت الذي يرى فيه صادق السالم (متطوع في عدد من البرامج الاجتماعية) منسوب الدعم للشركات والمؤسسات المحلية جيداً ومناسباً في بعض الفعاليات، إلا أنه في أحيان أخرى دعم دون المستوى المطلوب. ودلل على ذلك ببعض الفعاليات التي يقيمها نادي الخليج في سيهات من أن دعم بعض الشركات جيد. وقال: توجد بعض الشركات بشكل دوري في هذه البرامج، ونحن نشاهد أنها تؤدي دوراً جيداً في إقامة هذه الفعاليات. لكن السالم قال من جهة أخرى: أما في المناسبات الاجتماعية الأخرى، ومهما كانت صغيرة كبرامج التكريم التي تقام بين فترة وأخرى فإن الدعم قليل جداً، ودون المستوى المطلوب. مطالباً الشركات والمؤسسات المحلية بدعم هذه الفعاليات التي تعود بالنفع على المجتمع والأفراد على حد سواء بشكل أكبر مما نراه الآن.