تتردد على آذاننا بشكل دائم «الحياة جميلة» و«الحياة حلوة» ولا يزال بعضنا يدفعه إبليس لأن يلعن الحياة وإن تطوَّر في مسايرة الشيطان لَعَن «الزمن». الجملتان قيلتا بمنطقية رائعة، وهي مخصصة لكل مؤمن ومؤمنة، فالحياة جميلة متى ما سايرنا ميزان الشرع الإسلامي القويم في أن المؤمن في خير متى ما شكر النعمة أو صبر على البلاء. ولو تأملنا في هذه النظرية الإلهية الجميلة والحكيمة لوجدنا أن من شكر الله زاده نعمة، وأن من صبر على البلاء عوضه الله في الدنيا والآخرة، وسيتطهر من الذنوب، بل إن هنالك نتائج نفسية مميزة حيث إن الابتلاءات تقوِّي إيمان المؤمن وتهيِّئه لمواجهة مصاعب الحياة. الحياة جميلة لم تُقَل للكفار والمشركين الذين تزداد بينهم نسبة الانتحار والمصائب التي لو تأملناها لوجدناها من صنع أنفسهم الأمَّارة بالسوء، ومن خلو عقولهم وقلوبهم من الإيمان بالله الذي يعد جرعة الخير يتجرعها المؤمن في كل مسارات الحياة. وهنالك أمر آخر يزيد من توظيف «الحياة جميلة» من خلال الدعاء، فإذا أغلقت أمامنا الأبواب وانقطعت بنا الأسباب وظللنا في حيرة قال الله «أمن يجيب المضطر إذا دعاه»، وهذا وعد الحق.. فتجد أن هنالك إنقاذاً ربانياً عاجلاً وفق قَدَر محكم مفصل تكمن فيه قدرة القادر القدير المقتدر. وإذا ألمت بنا مصائب الزمان ونوائب الدهر ما علينا سوى رفع الأكف إلى الله بمخ العبادة «الدعاء» الذي يجلب لنا الأماني ويبعد عنا معاول الشقاء ويكفينا شر الحزن والألم ويبلور لنا السعادة، فإن تأخرت الإجابة فهي من حكمة الله، فيُعطي الداعي إجابته برد مصيبة أخرى كانت نازلة ويكفيه شرها، أو أن يدخره سبحانه وتعالى للمؤمن والمؤمنة إلى الآخرة كي يملأ بها كفة ميزانه، وبهذه الحكمة والعطاء الرباني العظيم نكون فعلاً في حياة جميلة. هذا فيض من غيض من نعم الله ومما رسمه لنا لنسير في محطة الدنيا التي كان من جمال خالقها أنه جعلها مؤقتة وعابرة وتظل «دنيا» بكل اللغات والمقاييس. بياض الحياة ونقاؤها يصنعه حكمة الله وتراتيب قدره وقدرته وإعانته لخلقه وما يهبه للناس من نعم لا تعد ولا تحصى. وكل ذلك والعبد الفقير المعدم الصغير الذي لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً يتجبر ويتكبر ويصنع هو وغيره المساحة السوداء في الحياة ويرسم بقلبه وعقله وسذاجته وقلة إيمانه ورجعيته وجهله وغفلته الخطوط السوداء التي ما تلبث أن تتسع فيتشكل الوجه الأسود للحياة، فيطال السواد الحياة وتظل الدنيا بإيحاءات السوء وإيماءات الألم من صنع فئة من البشر. الوجه الأسود للحياة المصنوع بشرياً وبغباء يتسع ليرمي بمساحته القاتمة على حياة الأبرياء ويرسم حدوداً ظالمة على حياة أسر وأفراد بتوقيع وإعداد وتنفيذ ثلة من البشر ممن يمتلكون قلوباً سوداء وممن يمتلكون الشخصيات السيكوباتية أو السادية، وممن يوزِّعون الألم ويصدِّرون الضيم إلى الناس ويتفننون في حصد الضيم من الوجوه، ومن ثم يمارسون الرقص على الجراح. الحياة بوجهها الأبيض تجعلنا نرتمي في أحضانها باحثين عن الأمان وعن المودة وعن الوفاء والنقاء والصفاء مع أنفسنا ومع الآخرين، وتكرِّس مناخاً إيجايباً من الحاضر الجميل والمستقبل المشرق.. نعيش باطمئنان تحت ظلال عرش الرحمن وبين أيادي رحمته نكتفي شر ويلات الأحزان بصبر وشكر ونسعد بالأفراح فنحمد الله دون طغيان على النعم، وبقلوب تدمِّر المعاصي وتقتل الزلات فنعيش في توازن حياتي ونفسي.. وبالتالي نستطيع بكل إمكانياتنا البشرية والإنسانية أن نصنع حياة هادئة مطمئنة، وأن نحاول أن نتجاوز تلك الخطوط السوداء والمساحة القاتمة من السواد التي تحاول أن تطغى بها الأنفس الظالمة الحاقدة العاشقة للشر الهاربة من الخير. الغيبة والنميمة والتطفل ومتلازمة «ماذا يصنع الآخرون» و«مراقبة الناس» و«الحقد» و«نكران الجميل» و«الغدر» و«سوء الخلق» و«صداقة المصالح» و«اللغو» و«الجهل» و«الغباء الاجتماعي» و«الغفلة النفسية» و«الإيذاء بكل أصنافه» و«الفتن ما ظهر منها وما بطن» و«النوايا السيئة» و«سوء الظن» و«الغرور» و«الرياء» و«انعدام الحياء وقلته» و«قلة الأدب» و«قلة الذوق» و«الكذب والنفاق» و«الآثام»، كل هذه الأمور هي الأقلام السوداء التي تخط مساحة الحياة السوداء يكتب بها «أصحاب قلوب سوداء» ويبلورها «خارجون من البيئة البيضاء للإنسانية» ويوظفها «أبطال المسرح الأسود» ويؤديها بإتقان أشخاص حقيقيون اعتادوا نثر الرماد في العيون ونشر السوء على مساحات حياة الآخرين وجلب الأحزان عنوة إلى معسكرات الآمنين المطمئنين، وتسير الحياة وسط هذا الصراع الذي يأتي بهجوم أسود على مواقع بيضاء لتظل تكابد أعواماً من الدفاع عن حق «بياض الحياة وجمالها» وتظل في حرب شرسة لتحرير الأنفس من السواد «المحتل» وتنقية الحياة من السواد الغاشم والغريب والدخيل كي تظل بيضاء يملؤها الفرح ولا تعترف سوى بالدين أولاً، ثم بالمنطق ثم بالقيم والاتجاهات والميول التي أوجدتها فطرة الله في الإنسانية، ويظل صراع وجهي الحياة الأبيض والأسود قائماً طالما كانت هنالك جيوش اللؤم والسوء توزِّع أفرادها وتُخرِج من ثكناتها معاني الشر، وتظل المساحة البيضاء أطغى وأجدى لأنه لا يصح إلا الصحيح، ولأن الإنسانية بيضاء وفطرة الله تقتضي ألا يسيطر سوى الخير مهما طالت الصراعات وحاولت معاول الشر أن توسِّع مساحاتها على حساب بياض وروعة وجمال الحياة.