كل مرة نلتقي مع أحد الإخوة العائدين من السفر، تبدأ الأحاديث والمقارنات بين ما يشاهدونه في الخارج وما يجدونه في بلدهم، وهو حديث يتعلق بشؤون عديدة، اقتصادية وثقافية و تعليمية وغيرها، بينما تكون أشد المقارنات الحامية عن مستوى نظافة الطرق والمتنزهات والحدائق والأسواق وسوء القيادة عندنا من جميع الفئات العمرية، وأغلب العائدين يصابون بنوع من الإحباط والألم من واقعنا، ثمّ يتلاشى ذلك مع مرور الوقت. لا شك أن هذا الموضوع كتب عنه كثير من الكتاب، بل حتى المسؤولين يعترفون بوجود هذه المشكلة، ومع ذلك لا يتغير شيء في الواقع، ولاشك في أننا- نحن المواطنون- نشكل السبب الرئيس في تدني المستوى في كل المقارنات، في النظافة وغيرها، ويكفي أن تزور الواجهة البحرية في الدمام أو الخبر أو أن تزور أي حديقة في بلادنا العزيزة الساعة العاشرة صباحا، ستجدها نظيفة ومرتبة وحاويات النفايات في كل مكان ولا تبعد عن بعضها سوى أمتار، وقد تمت سقاية وتنظيف المسطحات الخضراء، ولكن كيف الحال إذا زرتها عند الساعة العاشرة ليلاً؟ ستظن للوهلة الأولى أنك أمام مرمى نفايات البلدية، ولست في حديقة ومكان جميل للتنزه! كيف حدث ذلك؟ فهذا هو مربط الفرس، نحن سبب هذه الكارثة البيئية، فالمواطن والمواطنة «بارك الله فيهم جميعا» لا يكلف أحدهم نفسه عناء المشي عشرة أمتار لرمي بقايا الطعام أو اللعلب في حاوية النفايات المنتشرة حوله في كل اتجاه، و يهدم بنفسه ما تعلمه الأبناء في المدرسة من أصول النظافة واحترام الممتلكات العامة التي هي ملك و حق للجميع! ماذا تسمي هذا النوع من التصرف؟ ماذا تسمي هذا المستوى من الثقافة؟ لقد خاض كثير من الكتاب في هذا الأمر، ولكن ما يهمني هو التأكيد على نتيجة مهمة، وهي أننا نحن سبب هذه المشكلات، فالبلدان القريبة منا جدا مثل البحرين والإمارات لم تضع عامل نظافة في كل شارع يمشي وراء كل مواطن، إنما المواطن هو الذي يستشعر المسؤولية ويشارك في نمو ورقي بلده. والحق أن الجهود التي تبذلها الأمانات، في هذا المجال بالذات، جبارة ولكن المشكلة الكبرى هي المواطن الذي لم يستشعر المسؤولية بعد، ولم يتخلص من متلازمة اللامبالاة التي تسيطر عليه وعلى تفكيره. لكنه يجتر فقط قصة العربي الذي طلق زوجته فقط لأنه لم يستطع أن يقوم من مجلسه ليفتح لها الباب، فكان ردها: «أحسن أنه طلقني حتى لا أتكلف وأطلع المفتاح من جيبي.» إنه قمة الكسل، ونحن لا نبعد كثيراً عن ذلك!. تمشي في طرق البحرين والإمارات فلا تجد من يرمي عقب السيجارة في الشارع، أما رمي العلب ومناديل الورق وأكياس الطعام فهذا شيء لن يحدث أبدا، فالمواطن في هذه الدول يخجل أن يقوم بذلك وحتما لن تتعب لتراها حولك في كل مكان في بلادي، في الطرق، في مواقف السيارات، الأسواق..الخ والسبب بكل تأكيد هو نحن، والأسوأ أننا ننقل هذه الثقافة لأبنائنا.أما الموضوع الآخر فهو سوء قيادة المركبات، وهو يتعلق بطرفين: الأول إدارات المرور وعجزها عن تطوير آليات مراقبة وضبط تصرفات السائقين، وكان الناس في السابق يهابون رجل المرور وتحترم قواعد المرور، إما خوفا وإما ثقافة، رغم قلة التعليم آنذاك. أما اليوم، فلا هذه ولا تلك، وأظن أن الوضع سيستمر في سوئه، لأن عدد رجال المرور لا يزيد مع اتساع المدن وكثرة المركبات والطرقات. أما الطرف الثاني – وهو ما يهمني – فهو المواطن السائق، فالمواطن عندما يقود سيارته في أمريكا أو أوروبا أو دبي أو البحرين، تجده (ما شاء الله تبارك الله) أحسن سائق، وأكثر شخص ملتزم بالنظام وقواعد المرور، وبمجرد مضي أسبوع على عودته لأرض الوطن يصاب بانفصام عجيب، فتجده أكثر شخص لا يلتزم بقواعد السلامة، و يقود بسرعة جنونية، ويرمي علبة السجائر (ليس العقب) من النافذة وأحيانا علبة المناديل وكيس «الهمبرقر»، وتراه يتجاوز عند التقاطع ويتجاوز من اليسار إلى اليمين على الطرق السريعة ولا يلتزم بخطوط المشاة، ويقف في مواقف ذوي الاحتياجات الخاصة. الآن و قد تطرقنا لبعض التصرفات التي لا نؤيدها ولكن بعضنا يفعلها، فهل سنبدل تصرفاتنا؟ هل سنبدأ صفحة جديدة مع أنفسنا ونتخلص من الحسرة التي تلازمنا كل ما زرنا البلدان الأخرى؟ ونستشعر المسؤولية تجاه وطننا؟! أرجو ذلك، ابدأ بنفسك وسترى التغيير.