عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) (مَنْ استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليمت بها فإني أشفع لمَنْ يموت بها) رواه الترمذي وابن ماجة والبغوي في شرح السنة وصححه الألباني. وفي المعجم الصغير من حديث جابر رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) (مَنْ مات في أحد الحرمين بُعث آمناً يوم القيامة). وروى الحاكم وابن حبان والطبراني من طريق أم قيس بنت محصن -رضي الله عنها- أن النبي صلّى الله عليه (وآله) قال: (أترين هذه المقبرة؟ يبعث الله منها سبعين ألفاً يوم القيامة على صورة القمر ليلة البدر يدخلون الجنة بغير حساب) قال الحافظ: وإن ثبت حديث أم قيس ففيه تخصيص آخر بمَنْ دفن في البقيع من هذه الأمة، وهي مزية عظيمة لأهل المدينة والله أعلم. وقد روى البخاري في الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك صلّى الله عليه وآله. وروى الترمذي وحسّنه ابن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه (وآله): (أنا أول مَنْ تنشق عنه الأرض ثم أبو بكر ثم عمر ثم آتي أهل البقيع فيحشرون معي ثم أنتظر أهل مكة حتى أحشر بين الحرمين). نسرد هذه المقدمة الطويلة تعليقاً على الكلمة، التي ألقاها فضيلة الشيخ عباس بتاوي -حفظه الله- في معرض حديثه عن بر الوالدين وأثره الظاهر والباطن وفي الحياة، وما بعد الممات في إحدى إطلالته التليفزيونية البهية على إحدى قنواتنا الخليجية قبل فترة قصيرة، حيث ذكر فضيلته قصة أحد الموتى من الشباب حينما أصر والده على دفنه في مكةالمكرمة بعد تغسيله وتكفينه في جدة حينها علق فضيلته بأنه لا يوجد أي فرق أو فضيلة للمتوفى إن دُفن في دبي أو الصين. والسؤال هنا: ماذا بعد كل هذه الأحاديث؟ هل جلّها غير صحيحة عند فضيلته؟ أم لم يطلع عليها؟ أم سقطت سهواً في شدة حماسه الكلامي؟ وكيف يجزم فضيلته بأنه لا يوجد أي فرق أو فضيلة بين الأماكن!!! ولماذا لم يجعل لنا وله حيزاً من البحث والتقصي والصواب والخطأ؟ ولماذا يعتقد خطباؤنا دائماً أنهم مَنْ يملكون حقيقة الحقيقة، التي لا تشوبها شائبة ولا تعلوها غبرة؟ متناسين قوله تعالى في الآية المباركة: (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين). وأليس فضيلته معي بأفضلية أرض الحرمين (مكةوالمدينة) على سائر أراضي هذا الكون؟ فأعتقد والله أعلم ما دام هناك باب اسمه الاجتهاد، فليست هناك أحادية فكرية إقصائية في الدين، بل فسحة من الاختلاف في الرأي والأطروحات وحتى الفتوى؟ وإلا سنسير على خطى العصور الوسطى. وفي الأخير، فهذا سماحة مفتي عام المملكة المرحوم الشيخ عبدالعزيز بن باز ينقل جثمانه من الطائف، حيث توفاه الله إلى مكةالمكرمة ليدفن هناك، وإمام القراءات وشيخ القراء العلامة الفقيه الشيخ عبدالمجيد بن صادق الآبادي يوصي (ونضع ألف خط وخط تحتها) بأن يدفن في بقيع الغرقد بعد وفاته، كذلك وصية شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي بدفنه في بقيع الغرقد وهو ما تم له رحمه الله تعالى، وأمنية الشيخ محمد الغزالي أن يُدفن بعد مماته في بقيع الغرقد، وهو ما تم له أيضاً وغيرهم. وقبله صدور الفتوى رقم (120) بتاريخ 22-1-1392ه من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (بجواز نقل الميت من بلده إلى بلد أفضل رجاء البركة)، وما نحن إلا على آثارهم مقتدون. هذا والله الهادي إلى سواء السبيل..