تحققت مؤشرات اقتصادية مشجعة للغاية لقطر العام الماضي، وتشير أكثر التقديرات المتاحة دقة إلى تحقيق معدل نمو يتراوح بين 15% – إلى 19% في إجمالي الناتج المحلى خلال 2011، في الوقت الذي تواصل هذه الدوحة، صاحبة الاحتياطيات الهائلة من الغاز الكامن في حقل الشمال، تنفيذ مشاريع عملاقة في قطاع البنية الأساسية، وإن كان معدل النمو المتوقع لن يبتعد كثيرًا عن 6% وفقاً لتقديرات خبراء صندوق النقد الدولي في أفضل الأحوال خلال العام الجاري. أمّا السبب وراء الانخفاض الحاد المتوقع لمعدل النمو في الناتج المحلى القطري العام الحالي إلى ثلث الرقم المناظر لعام 2011، فيعود وفقاً لآراء خبراء الاقتصاد إلى شبح الكساد المخيِّم على أوروبا، وتراجع مستوى التوقعات الخاصة بمؤشرات الأداء الاقتصادي في الدول الآسيوية الرئيسية، وهي مجموعة الدول التي تشكل في مجموعها أهم الشركاء التجاريين لقطر، ومن ثم، لا ينبغى أن يفاجأ القطريون كثيراً إذا ما تمكنوا من مواصلة جانب من إنجازاتهم الاقتصادية مع قدر من التحجيم لأهداف النمو السابقة بالغة الطموح. ورغم أنَّ الأرقام النهائيّة للنمو الاقتصادي في قطر خلال العام الماضي مازالت في مرحلة التدقيق النهائي، فإن اعتماد تقديرات الحد الأدنى التي وضعها خبراء صندوق النقد لمعدل نمو الناتج المحلي القطري الإجمالي لعام 2011، أي 15%، يضع هذه الدولة شديدة الطموح صاحبة أضخم احتياطي منفرد من الغاز على مستوى العالم في المرتبة الأولى عالمياً على صعيد النمو الاقتصادي خلال العام الماضي. ويؤكد تقريرالصندوق الدولي الصادر في منتصف ديسمبر الماضي أنَّ انخفاض معدل النمو الاقتصادي المتوقع لهذا العام لا يعكس أي نقاط ضعف أو أوجه قصور هيكلية، وفي المقابل يعزو خبراء الصندوق الدولي حالة التباطؤ التي يشهدها اقتصاد قطر هذا العام إلى انتهاء البلاد من استكمال أحدث دورة من توسعات قطاع الهيدروكربونات، التي سجلت بالفعل مستويات الإنتاج المستهدفة بموجب خطط التنمية الاقتصادية طويلة الأجل المعتمدة من جانب حكومة الدوحة. ويلزم القول في هذا السياق إنَّ تقديرات صندوق النقد الدولي بشأن آفاق النمو المفتوحة أمام هذه الدولة العربية الخليجية تلزم جانب التفاؤل نسبياً بدرجة تتجاوز تقديرات المسؤولين القطريين أنفسهم، الذين توقعوا من جانبهم اقتصار معدل النمو الاقتصادي لهذا العام على 5,1%، في أعقاب معدل النمو البالغ 15% وفقاً لتقديراتهم عن عام 2011 والذي يتطابق مع تقدير الحد الأدنى لصندوق النقد الدولي لذلك العام. وفي مقابل الاهتمام الكبير الذي توليه حكومة قطر لبرنامج تنويع الأنشطة الاقتصادية بهدف تقليص الاعتماد على الطاقة، تبدو الآفاق المحيطة بقطاع النفط والغاز إيجابية على نحو متزايد. وفي الوقت الذي يتوقع أن يواصل قطاع الهيدروكربونات توسعه في العام المقبل، بزيادة نسبتها 3% ، فإن الأنشطة الإقتصادية خارج هذا القطاع مرشحة للنمو بنسبة 9% خلال العام نفسه. 150 مليار دولار للإنفاق على مشروعات التطوير ومن المتوقع أن يتولَّد معظم النمو المرتقب هذا العام للنشاط الاقتصادي بفعل الاستثمارات الضخمة في البنية الأساسيَّة وتجهيزات الخدمات الاجتماعية، في ظل الإعلان عن توجيه 150 مليار دولار للإنفاق على مشاريع التطوير في هذا القطاع على مدى السنوات الخمس المقبلة تقريباً، وسيتم توجيه جزء من هذه الأموال للوفاء باحتياجات استضافة مباريات كأس العالم لكرة القدم عام 2022. غير إنَّ شريحة أكبر من الاستثمارات المدرجة بالخطة سوف تخصص لتعزيز البنية الأساسيَّة والمنشآت القطرية في مجال النقل والتجهيزات اللوجيستية، ومن المقرر أنْ توظف هذه الإستثمارات لتكون بمثابة قوة دافعه للإقتصاد القطري لسنوات مقبلة. وبينما تتجه التقديرات في مجملها إلى انخفاض النمو، فإن الأسعار تبدو مرشحة للزيادة، ولذا فمن المتعيِّن على المسؤولين القطريين أن يضعوا مؤشرات التضخم نصب أعينهم حيث توقع خبراء الصندوق الدولي ازدياد أسعار المستهلكين إلى الضعف بما يعادل معدل تضخم 4 % تقريباً هذا العام، ومع استمرار مظاهر الإزدهار الاقتصادي وارتفاع الأجور واتساع حجم الأموال المتاحة للإنفاق، فإن ازدياد حجم الطلب بوسعه إشعال زيادات سعرية في حال ظهور أي عنق زجاجة في جانب العرض أو إذا ما تعرضت تدفقات السيولة إلى اهتزاز في التوازن.