يشهد العالم منذ بداية التسعينات تجسّد الظهور الشيطاني في أبشع صوره، في سلوكيات الناس، والتضليل الإعلامي المبالغ فيه، وزيادة النمط الاستهلاكيّ، وعبوديّة الأجر الرأسمالي، والشذوذ الفكري والنفسي والجسدي، وقَونَنةِ الانفلات، وتنظيم الابتذال، وشرعنة الفساد، إضافة لامتهان كرامة الإنسان، بالتعذيب والإذلال والتجويع والتخويف والقتل، بل والتفنّنِ في ذلك. ولعلّ من السذاجة بمكان ربط الدوائر التاريخية وتطوّراتها وحروبها بسياسات أو استراتيجيات أو أطماع بمعزل عن تأثير الشيطان، العدوّ الأوّل والوحيد للإنسان، لأنّ المخطّط الشيطاني الأصيل بإيقاع الإنسان في الخطايا لم يختلف في أهدافه وغايته، وإنمّا هو متطوّر بتطور العصر في أساليبه وآليّاته. لذا فإن التصعيد المضطرد عالميّاً في مسخ الإنسان وتحويله عن أهدافه الدنيويّة الحقيقية والجوهرية، والقبول الواسع للأهداف المستحدثة والآنيّة، والعمل التملّكيّ الدؤوب، والأنا المسيطرة، وتغذية واستفزاز مكامن الرغبة، هي مجرد تكتيكات وهميّة لنزع آخر فكرة إيمانيّة من العقل الإنساني، والسيطرة عليه بأفكار لا غاية لها، وتهيئة عدة وسائل لهذا الطريق المؤدي للفراغ الأبديّ. إنّ الشيطان يعمل، ومع هذا يعتقد %65 من الشعب الأمريكي بعدم وجوده أصلاً، بل ويسخرون من الفكرة في حدّ ذاتها، وهذه العدوى تنتقل سريعاً عبر العالم في موجات كفريّة وشركيّة وإلحاديّة وفسوقيّة. والإنسانُ يعملُ للشيطان، مستجيباً له بعلم أو بغير علم، لذا فهو يكفُر عندما يرى الحقيقة واليقين ويتعامى عنه، وهذا هو الأصل في الكُفر، ويشركُ بالاهتمام والعمل الدؤوب على سبيل يمهّد للشيطان الظهور الأخير. وإزاء ما سبق فإنّ ما يتسارع من مستحدثات الأمور، واختلاط الحابل بالنابل هي جولة من جولات صراع الخير والشرّ، صراع آدم وسلالته مع إبليس وذرّيته، إلاّ أنها الجولة الأخيرة التي يبدو في بوادرها انتصار الشيطان، وفي مكامنها عزّة الخالق. لقد كانت المخططات الشيطانية ضد الإنسان بسيطة في سلوكها وتأثيراتها، إذ كانت تتمحور حول الفرد و نزعاته وتهيئة المحيط لإسقاطه، وكانت تأثيراتها محدودة بمكان وزمان وانتشار معيّن، ولكنها باتت تشكّل تصاعداً يسيطر جمعيّاً، ويؤثر على نطاق أوسع، وتمسّ بلظى شوهتها المجتمعات العالميّة في لمح البصر. ليس هناك معصوم من الشيطان إلا من رحمه الله، وكلّ من يسقط في حبائله عليه أن يتأمّل سقطته وإحداثه الشيطانيّ إلى أيّ حدّ يمكن أن يتعدّى إلى ما سواه، وأن يتذكّر دائماً أنّه جندي في معركة أبديّة، إمّا أن يكون في صفّ بني جنسه أو يكون في صف جيش الشيطان، وعلى الإنسان أن يتذكر دائما قوله تعالى: «أفتتخذونه وذريّته أولياء من دوني وهم لكم عدوّ؟، بئس للظالمين بدلا» (الكهف 50)