القبيلة كما هي قائمة على وحدة الدم والنسب تقوم كذلك وبشكل كبير على الأحلاف والتحالفات التي تنقلها من طورها الاجتماعي إلى الطور السياسي ولو بشكل بدائي. فكثير من القبائل العربية على مر العصور كانت في حقيقتها قائمة على التحالفات بين بطون وعشائر عدة، وعادة ما تتعامل القبيلة مع أفرادها بإطار سياسي؛ فقد كانت القبيلة في الجاهلية إذا ما نفد صبرها على أحد أفرادها جراء ما يسببه لها من متاعب وإحراجات مع القبائل الأخرى فإنها تقوم بخلعه أمام الملأ وفي إحدى التظاهرات الثقافية! فظهر جراء ذلك «الصعاليك» الذين عادة ما ينتقمون من قبائلهم بالسطو والسرقة انتقاما منها. والقبيلة عندما كانت أصغر وحدة سياسية بدائية ما زالت تحافظ على شكلها فإنها كانت تشكل وسيلة سهلة يمتطيها أصحاب الأطماع والغايات الكبرى، بل ربما تجاوز الأمر إلى استغلالها من كيانات سياسية أكبر. فإبان ظهور نور النبوة المحمدية ظهرت موضة إدعاء النبوة، فكانت القبيلة هي المحفز الرئيس والضامن الأقوى لأصحاب المشروعات الطموحة فوقف كل من ادعى النبوة خلف قبيلته ودافعت عنه وعن نبوته المزعومة دون جدل أو تفكير! وحتى المرتدين عن الإسلام آنذاك، ارتد زعيم القبيلة فارتدت قبيلته معه! وقد تكون قصة عبدالرحمن الداخل من أشهر القصص التي ينجح صاحبها من خلال استغلال القبيلة؛ فقد استغل اضطهاد والي الأندلس يوسف بن عبدالرحمن الفهري للبربر فحشدهم ضده واستولى على الأندلس. أما أكثر الحكايات طرافة وغرابة هي حكاية (تغريبة بني هلال) تلك القصة التي لفها لفيف من الأساطير والخرافات الممزوجة بالنوستاليجا والرومانسيات وقصص الحب والغرام والتضحيات وقصة الترحال الطويلة من أجل البقاء. تلك الأسطورة الشعبية التي يتناولها العرب بلحن حزين يحكي أشجان الابتعاد عن الأوطان. لكن تعالوا معي قليلا لنقرأ ما وراء هذه التغريبة والدوافع الحقيقية التي تقف وراء انتقال قبيلة بني هلال من نجد إلى تونس. فيروي ابن خلدون في تاريخه وتحديدا في فصل (الخبر عن دخول العرب من بني هلال وسليم المغرب) فيقول (باختصار مني) إن بطون بني هلال وسليم كانت تغير على الضواحي ويفسدون السابلة ويقطعون على الرفاق. وكانت قد تحيزت إلى القرامطة. ولما تغلب شيعة ابن عبيدالله المهدي على مصر والشام وكان القرامطة قد تغلبوا على أمصار الشام فانتزعها منهم وردهم إلى قرارهم بالبحرين فنقل بني هلال وسليم إلى الصعيد. ولما استولى المعز ابن باديس على القيروان وخلع بيعة الخليفة الفاطمي ودعا للخليفة العباسي ببغداد وتبنى المذهب المالكي وتبرأ من المذهب الشيعي. أدرك الخليفة الفاطمي صعوبة مواجهته فاقترح عليه وزيره اليازوري ضرب المعز بن باديس (الزناتي خليفة) بالقبائل العربية القوية بني هلال وبني سليم عن طريق تقليدهم أمر إفريقية ودفعهم إليها فهبت بنو هلال واكتسحت تونسوالقيروان وقتلت ابن باديس! كانت كل تلك المؤامرة السياسية والحرب الطائفية هي (تغريبة بني هلال) وحكايات خضرا الشريفة وأبوزيد الهلالي وذياب بن غانم والشريف شكر والزناتي خليفة. أما في العصر الحديث فلم تزل ممارسات استغلال القبيلة مستمرة وناجحة أيضا، فأميركا لم تنجح في مواجهة القاعدة في العراق إلا بعد استخدام القبيلة من خلال مجالس الصحوة التي شكلت من أفراد وشيوخ القبائل هناك.